يذكرون الصَّالحين بالسوء، ونحو ذلك، فقال له شيخنا: ما للسُّلطان في هذا مدخَلٌ، لكن تعالَ نتباهل، فقلَّما تباهَلَ اثنان، فكان أحدهما كاذبًا إلا وأصيب، فأجاب لذلك: وعلَّمه شيخُنا أن يقول: اللهم إن كان ابنُ عربي على ضلال، فالعَنِّي بلَعْنَتِكَ، فقال ذلك: وقال شيخنا: اللَّهُمَّ إنْ كان ابنُ عربيٍّ على هُدى، فالعني بلعنتك، وافترقا.
قال: وكان المعانِدُ يسكن الرَّوضةَ، فاستضافه شخصٌ مِنْ أبناء الجُند جميل الصُّورة، ثمَّ بدا له أن يتركَهُم، وخرج في أوَّل اللَّيل مصمِّمًا على عدمِ المبيت، فخرجُوا يشيِّعُونه إلى الشَّختُور، فلمَّا رجعَ أَحسَّ بشيءٍ مرَّ على رجله، فقال لأصحابه: مرَّ على رجلي شيءٌ ناعم، فانظُروا، فنظروا فلم يَرَوا شيئًا، وما رجع إلى منزله إلَّا وقد عَمِيَ، وما أصبح إلا ميتًا. وكان ذلك في ذي القعدة سنة سبع وتسعين، وكانتِ المباهلة في رمضان منها، وكان شيخنا عند وقوع المباهلة عرَّف مَنْ حضر أنَّ مَنْ كان مُبطلًا في المباهلة لا تمضي عليه سنة.
قلت: وقد أشار صاحبُ الترجمة أيضًا إلى القصَّة في "شرح البخاري" أواخرَ المغازي عَقِبَ حديثِ حُذيفة رضي اللَّه عنه، قال: جاء العاقِبُ والسَّيِّدُ صاحِبَا نجران إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يريدان يلاعناه أي يباهلاه، قال: فقال أحدُهما لصاحبه: لا تفعل، فواللَّه لَئِنْ كان نبيًّا فلاعنَّاه، لا نُفْلِحُ نحن ولا عقِبُنا مِنْ بعدنا (١). قالا: إنَّا نُعطِيكَ ما سألتنا، وذكرَ الحديث، ما نصُّه: فيه مشروعيَّةُ مباهلة المخالف إذا أصرَّ بعدَ ظهورِ الحجةِ، وقد دعا ابنُ عبَّاسٍ رضي اللَّه عنهما إلى ذلك، ثمَّ الأوزاعي، ووقع لجماعةٍ مِنَ العُلماء.
ومما عُرِفَ بالتَّجربة أنَّ مَنْ باهل وكان مُبطلًا لا تمضي عليه سَنَةٌ مِنْ يومِ المباهلة، ووقع لي ذلك مع شخصٍ كان يتعصَّب لبعض الملاحِدَةِ، فلم يُقِم بعدها غيرَ شهرين.
وقد حاكى صاحب التَّرجمة في ذلك بعضٌ مِنَ الحُظوظ الدُّنيوية غالبة