للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتفرَّق عنه النَّاسُ، قلت له: يا أبا عبد اللَّه، لقد رأيتُ اليومَ مِنْكَ عجبًا! قال: نعم، إنَّما صبرتُ إجلالًا لحديثِ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. انتهى.

ومن صبره أيضًا: أنَّه وضع يده على قُربوص السَّرج عند إرادته الرُّكوب، فلدغَته عقربٌ، فرجع إلى منزله مِنْ فوره، وأخذ موسى، فشرط أصبعه.

وطُعِن مرَّةً في طاعون سنة ثمان وأربعين، فباللَّه ما علِمْتُ بذلك.

وكذا توعَّك في سنة اثنتين وثلاثين، فما عَلِمَ به كثيرُ أحدٍ، وعُوفي عَن قرب، فاستعرض أهلَ السُّجونِ، وصُولح مَنْ له دَيْنٌ مِنْ مال شيخنا، وحصل لجمعٍ كثيرٍ مِنَ النَّاس فرج كثير. أمَّا صاحبُ الدَّين، فلِيَأسِه مِنْ حصول شيءٍ مِنَ المسجون، وأمَّا المسجون، فلِمَا كان يقاسيه مِنْ شدة الحرِّ وغيره. [وفي ذلك يقول:

مولاي يا قاضي القُضاة ومَنْ غَدَتْ ... كلُّ الورى تفديه بالأحداقِ

هُنِّيتَ عامًا مقبلًا يا سيِّدي ... وسَمَوْتَ للعلياء باستحقاقِ

أهلُ الحُبوسِ بأسْرِهم أطلقتَهُمْ ... وأسَرْتهم بمكارِمِ الأخلاقِ

كم مِنْ لسانٍ بالثَّنا أطلقتَه ... فلأنْتَ ممدُوحٌ على الإطلاقِ] (١)

بل حكى لي العزُّ السُّنباطي عَنِ الزَّين عبد الغني القِمَني أنَّه عرض له في عينه عارضٌ، بحيث لم يكُنْ يُبصِرُ بها كبير شيء، وأنَّه أخفى ذلك عَنْ كلِّ أحد.

ونحو هذا ممَّا يدلُّ على وُفُورِ عقله وثباته وعدم طَيْشِه، أنَّه بينما هو وأصحابُه بعدَ العشاء على العادة، سقط مِنْ سَقْفِ المدرسة ثُعبانٌ بحذائه، فقام مَنْ عنده فزعًا، وثبت هُو مكانه، فلم يتحرَّك.

قلت: وكذا يُحكى عَنِ ابنِ المبارك أنَّه قال: ما رأيتُ أوقرَ مِنْ مجلس


(١) ما بين حاصرتين مِنْ (ط)، ولم يرد في (أ، ب، ح).