الأوقات التي كان فيها ضيِّقَ الصَّدر بسبب مَنْ أفحشَ في معارضته دينًا يكونُ قدرَ ستة عثر دينارًا، فدفع له ذلك جُملَة.
وكان في كلِّ قليل يُعطي أجلَّ جماعته -وهو شيخنا العلامة ابن خضر- مالًا جزيلًا يفرِّقه على الطلبة ونحوهم، ويدفَعُ هو لجماعةٍ آخرين، ويجتمع الغوغاءُ مِنَ الفُقراء في يوم مِنَ السَّنة، فيتولَّى التَّفرِقَةَ عليهم غالبًا بنفسه أو بحضرته، ويتفقَّدُ أُناسًا مِنْ المعتبَرِينَ في العلم وغيرهم بالإرسال إلى محالِّهم، ومنهم القاياتي وابن الدَّيري وابنُ الهمام والعزُّ بن عبد السَّلام البغدادي والكمالُ الشُّمُنِّي والبدرُ البغدادي الحنبلي، حتى في أوائل ولايته قضاءَ الحنابلة، وأضرابهم.
وحكى العزُّ عبدُ السَّلام المذكورُ، قال: امتدحته بسبعة أبيات، فأثابني عليها سبعة دنانير.
بل كان في كلِّ قليلٍ يتفقَّدُ المحابيس، ويصالحُ عنهم مِنْ ماله، ويُحْسِن للفقراء مِنْ جيرانه، كالفقيه شمس الدين السعودي الضرير وغيره. وفي عشر الأضحى يدفَعُ لبعض خواصِّه مائة دينارٍ ليشتريَ بها ضحايا برَسْمِ الطَّلبة ونحوهم، كما بلغني، أو يفرِّق ذلك دراهم، وكذا يدفَعُ إلى جماعةٍ كثيرين في رمضان عسلًا وبعضهم سُكَّرًا، وبعضهم دراهم، توسعةً في نفقة الشَّهر المذكور، إلى غير ذلك مما لا أُطيل بإيراده، لا سيما وهو قد كان يُخفي ذلك جهدَه، حتى إنَّه أخرج مِنْ جيبه دراهم، ودفعها إليَّ أقَسِّمُها بين ثلاثةٍ جلسوا تُجاهه، توسَّمَ فيهمُ الحاجة، فما رأيتُ القسمة تَصِحُّ، فقلت له: القسمةُ متعذِّرةٌ، مِنْ أجل أنَّ العدد كذا، فتغيَّظ عليَّ، لكوني أعلمتُه بالكمِّيَّة، وفهِمْتُ حينئذٍ منه أنَّه يرى حُصولَ صدقة السِّرِّ بذلك للجهل بالقدر.
وقد قال هو في "فتح الباري" ما حاصله: إنَّ المقصودَ مِنْ الحديث: المبالغةُ في إخفاء الصَّدقة، بحيث إنَّ شمالَه، مع قُربها مِنْ يمينه وتلازُمهما، لو تُصُوِّرَ أنها تعلم، لم تعلم ما فعلتِ اليمين، لشدَّة إخفائه. قال: ويحتمل أن يكونَ مِنْ مجاز الحذف، والتَّقديرُ: حتَّى لا يعلم مَلَكُ شماله، أو حتى