وخالفهم جماعة آخرون، فرووه عن يزيد بن أبى زياد بإسناده به، وزادوا فيه: (ثم لا يعود) وبعضهم قال: (ثم لم يعد إلى شئ من ذلك حتى فرغ من صلاته)، وبعضهم قال: (ثم لم يرفعهما)، وقال بعضهم: (ثم لا يرفعهما حتى يفرغ)، وقال بعضهم نحو ذلك، وكل تلك الألفاظ بمعنى الزيادة الأولى (ثم لا يعود)، وتأتى عند المؤلف [برقم ١٦٩٠]، وهذه الزيادة وهَّاها الحفاظ وأنكروها على ابن أبى زياد جدًّا، حتى تكلم فيه بعضهم من أجلها، وهو صدوق في الأصل، لكنه لما كبر تغير وساء حفظه حتى صار يتلقَّن، وقد كان يضطرب في تلك الزيادة الماضية إثباتًا ونفيًا، فتارة يذكرها في من الحديث، وتارة لا يذكرها، وتارة يتردد، وتارة ينفى سماعها رأسًا، وقد صح عن ابن عيينة أنه سمع الحديث من ابن أبى زيادة دون تلك الزيادة، ثم لما قدم الكوفة سمعه يحدث به ويذكر فيه تلك الزيادة، قال سفيان: "فظننتُ أنهم لقنوه". قلتُ: ولا يبعد هذا عند الناقد إن شاء الله. وقد كان بالكوفة جماعة من أجلاد أصحاب الرأى والعصبية، والشيخ - أعنى يزيد بن أبى زياد - صار لا يدرى شيئًا بعد أن كبر وخرف، لكنه لم ينفرد به بتلك الزيادة، بل تابعه محمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن الحكم، وعيسى عن ابن أبى ليلى عن البراء به ... كما يأتى [برقم ١٦٨٩]. ومحمد بن عبد الرحمن أسوأ حفظًا من يزيد، وقد أنكروا عليه تلك الزيادة أيضًا، بل جزم أحمد وغيره بكون تلك الزيادة إنما تفرد بها يزيد بن أبى زياد، ونقل عن ابن نمير أنه اطلع على كتاب ابن أبى ليلى، فوجده يرويه عن يزيد نفسه بإسناده، فعاد الطريق إليه مرة أخرى، وأسفر الصباح عن كون رواية ابن أبى ليلى عن الحكم وعيسى عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن البراء بتلك الزيادة، ما هي إلا وهمه قبيح جاد به ابن أبى ليلى على الأغمار من كيسه هو. وقد وردت تلك الزيادة في حديث ابن مسعود، ولا تصح أيضًا، بل هي وهْم من بعضهم كما تأتى الإشارة إلى ذلك عند المؤلف [برقم ٥٠٣٩، ٥٥٤٠]، و [رقم ٥٣٠٢]. ولتلك الزيادة شواهد بأسانيد لا يثبتها أهل النقد قط، وقد توسعنا في الكلام على طرق تلك الزيادة: (ثم لا يعود) مع شرح عللها، وكلام النقاد فيها، والرد على بعض متعصبة الحنفية، القائلين بصحتها، وكذا مع الأجوبة على مَنْ ثبتها من الأئمة المجتهدين: كل ذلك في كتابنا "غرس الأشجار". والمقام لا يحتمل سوى هذا الإجمال. =