• والحاصل: أن من نفى تدليس أبى الزبير من هذه القصة، فقد كذَّب أبا الزبير نفسه الذي أقر على نفسه لليث بذلك، فتأمل! ثم لو ضربنا عن تلك القصة صفحًا، وعقدنا ولو على رأى العامرية صلحًا، فهذا الإمام النسائي قد أفسد على هؤلاء المنافحين دون تدليس أبى الزبير كل شئ لهم، وقال في "سننه الكبرى" [رقم ٢١٠١]، بعد أن ذكر حديثًا من رواية أبى الزبير عن جابر: " ... أبو الزبير من الحفاظ، روى عنه يحيى بن سعيد الأنصارى وأيوب ومالك بن أنس، فإذا قال: سمعتُ جابرًا، فهو صحيح، وكان يدلس ... ". قلتُ: فمفهوم كلامه أنه إذا لم يقل: "سمعتُ" فينبغى التوقف في قبول حديثه لكونه مدلسًا، وهذا أصرح ما يكون في الدنيا، لكن يتعامى عنه البعض أيضًا، بل ويرده بكلام هزيل قد رددنا عليه في غير هذا المكان. وواللَّه ما تحلَّى طالب علم بأحسن من الإنصاف وترك التعصب. فلله الأمر. فإن قيل: سلمنا لكم بكون أبى الزبير من المدلسين، فهلَّا عاملتموه معاملة المدلس الذي أكثر عن شيخ له ثم عنعن عنه؟! فإنكم تقبلون عنعت آنذاك، وتحملونها على السماع لذلك. قلنا: هذا لا ينفع أبا الزبير خاصة، لكونه وإن كان مكثرًا عن جابر من الرواية، إلا أنه مكثر عنه من التدليس أيضًا، ويشهد لذلك ما مضى في قصة الليث معه إن صح استنباط ذلك منها، فإن لم يصح؛ فقول النسائي الماضى آنفًا كاف في إثبات ما هنالك، ولو لم يكن أبو الزبير مكثرًا من التدليس عن جابر، لما احتاج النسائي إلى أن يقول عنه: "فإذا قال: سمعتُ جابرًا، فهو صحيح، وكان يدلس" وهذا نص حكيم قاطع له سر. وإذا لم نقبل قول النسائي - والذهبى يفضله في معرفة الحديث وعلله ورجاله على مسلم وأبى داود والترمذى - في هذا الخطب، فمن نقبل من أهل الأرض؟! وفى المقام أجوبة ومناقشات لعلنا نستوفيها في مكان آخر إن شاء الله. وخلاصة الكلام، وزبدة المرام: أن حديث أبى الزبير عن جابر لا يقبل إلا ما صرح فيه أبو الزبير بالسماع، أو كان من رواية شعبة أو الليث عنه، وما سوى ذلك من قوله: (عن جابر) أو: (قال جابر) فهو خل وبقل، وللكلام بقية. واللَّه المستعان.