الأول: أن الحديث ليس صحيحًا ولا كاد، بل المحفوظ فيه هو الإرسال كما يأتى؛ ثم لو لم يخالف محمد بن مسلم الطائفى في وصله، لما كان حديثه على الانفراد صرجحًا إلا عند من تساهل، بل نهاية أمره أن يكون حسنًا فقط، فكيف والتحقيق بشأن الطائفى: أنه ضعيف الحفظ لم يكن بالضابط أصلًا، وهو كثير المخالفة للثقات في رواياته؛ حتى عددت له من هذا الطراز شيثًا كثيرًا؟! والثانى: أننا لو تسامحنا وجزمنا بتحسين حديث محمد بن مسلم على الانفراد؛ لاسيما هذا الحديث؛ لم يكن على شرط مسلم قط؛ لأن الطائفى لم يخرج له مسلم في "صحيحه" إلا متابعة كما جزم به الحاكم نفسه، ونقله عنه الحافظ في "التهذيب" [٩/ ٤٤٥]. والثالث: قول الحاكم: "لأن سفيان بن عيينة ومعمر بن راشد أوقفاه عن إبراهيم بن ميسرة على ابن عباس" كذا قال: (ابن عباس) وهذا من أوهامه الكثيرة؛ لأن ابن عيينة ومعمر ومعهم ابن جريج ثلاثتهم رووه عن إبراهيم عن طاووس به مرسلًا، ليس فيه ابن عباس موقوفًا أو مرفوعًا، ولعل (طاووس) حرفت في مطبوعة المستدرك إلى: (ابن عباس) والأول عندى هو الأظهر. ثم إن محمد بن مسلم الطائفى - مع ما قيل في حفظه - قد خالفه ابن عيينة ومعمر وابن جريج كما مضى؛ فرووه عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس به مرسلًا، وهذا هو المحفوظ بلا شك؛ ولو لم يروه هكذا إلا ابن عيينة وحده لكفى في ترجيح بل تقديم روايته على رواية الطائفى أبدًا. وقد سئل ابن معين عن الطائفى هذا فوثقه ثم قال: "وكان ابن عيينة أثبت منه ومن أبيه ومن أهل قريته" كما في "تاريخ الدورى" [٣/ ٧٦]، وهو كما قال، وابن عيينة هو ابن عيينة. نعم قد اختلف في سنده عليه، فرواه عنه زهير بن حرب والحميدى وسعيد بن منصور على الوجه الماضي مرسلًا؛ وخالفهم أحمد بن حرب الطائى، فرواه عن ابن عيينة فقال: عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال: (جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، عندنا يتيمة قد خطبها رجلان، موسر ومعسر؛ هي تهوى المعسر، ونحن نهوى الموسر؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم: ير للمتحابين مثل النكاح) فنقله إلى مسند (جابر بن عبد الله) وأسقط منه إبراهيم بن ميسرة، وأبدل (طاوس) بـ (عمرو بن دينار) هكذا أخرجه ابن شاذان في "المشيخة الصغرى" [رقم ٦٠]، ومن طريقه ابن الجوزى في "ذم الهوى" [٢/ رقم ٩٠٠]. =