للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= عبد الرزاق تعظيمًا شديدًا، بحيث صح عنه فيما رواه عنه العقيلى [٣/ ١١٠]، وابن عدى [٥/ ٣١١]، أنه قال: (لو ارتد عبد الرزاق عن الإسلام؛ ما تركنا حديثه) ومع ذلك لم يمنعه أن يقول ما قال؛ لما استتب في صدره من كون تلك الرواية لا تصح عن معمر.
وقد سئل الإمام أحمد أيضًا عن ذاك الحديث نفسه كما في "علل المروذى" [رقم ٢٧٠]، من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أبى إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي به ... فقال: (باطل، ليس من هذا شئ، من حدث بهذا؟!) فقال له المروذى: (قلتُ: ذكروه عن صاحب الزهرى، فتكلم فيه بكلام غليظ) وصاحب الزهرى هذا هو محمد بن يحيى الذهلى، لقبوه بذاك اللقب؛ لشدة عنايته بحديث الزهرى وجمعه له، بل وتأليفه في عللَّه كتابه المشهور: "علل أحاديث الزهرى" وثناء أحمد عليه معروف مشهور؛ ومنه ما نقله المزى عنه في "تهذيبه" [٢٦/ ٦٢٤]، أنه قال: "لو أن محمد بن يحيى عندنا؛ لجعلناه إمامًا في الحديث".
قلتُ: ومع كل هذا لم يمنعه ذلك أن يحكم على روايته بالبطلان، لما تبين له أنها رواية ليس لها وجود في عالم الإمكان، وقد سئل ابن معين أيضًا عن حديث حدث به عبد الله بن عون الخراز عن محمد بن بشر العبدى عن مسعر عن قتادة عن أنس قال: (قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى تورمت قدماه ... ) فقال ابن معين: "الشيخ صدوق؛ والحديث لا أصلْ له!! " نقله عنه ابن أبى حاتم في "العلل" [رقم ٥٥٤]، وقد مضى الكلام على تلك الرواية عند المؤلف [برقم ٢٩٠٠].
وعبد الله بن عون هذا ثقة مأمون عابد، كان يعد من الأبدال، فانظر كيف حكم ابن معين على روايته بكونها لا أصل لها، مع كونه يقول عن صاحبها "صدوق" وقد وثقه في رواية أخرى!.
ولو ذهبتُ أتتبع إطلاقات المتقدمين على الرواية الخطأ متنًا أو إسنادًا بكونها (كذبًا) أو (لا أصل لها) أو (باطلة) دون مراعاة منهم لحال راويها والمتفرد بها سواء كان ضعيفًا أو صدوقًا أو ثقة أو فوق ذلك؛ لخرجت عن المقام؛ ولطال على الكلام، وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق.
وهذه الأمثلة الغزيرة هي التى يقول الإمام الألبانى عن بعض أفرادها: "والله ما أدرى ولا أحسب أنه يمكننى يومًا أن أدرى أنه يمكن أن يقال في حديث "الصدوق": "كذب لا أصل له".
باللَّه كم فرط المتأخرون في اجتلاء تصاريف نقاد الصنعة من متقدمى أئمة هذا الشأن في أحكامهم على الأخبار والنقلة؟ وأقبلوا بكل ما لديهم إلى حفظ قوانين وضعوها، ومدارسة =

<<  <  ج: ص:  >  >>