قلتُ: وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف ابن جدعان، وقد وقع لفظه عند أبى يعقوب هكذا: ( ... خير من مئة) بدل (من فئة) ولا يقال لعل (مئة) محرفة من (فئة) لأنه رواه مرة أخرى [برقم ٣٢]، بلفظ: (خير من مائة)، ويؤيد عدم التصحيف: أنى رأيتُ ابن عبد البر قد أخرجه في "الاستيعاب" [١/ ٥٤٤]، نحو سياق المؤلف، وفيه: (خير من مائة رجل) هكذا بزيادة (رجل) وقال أبو نعيم عقب روايته: "مشهور من حديث ابن عيينة، تفرد به عن ابن زيد" وهو كما قال، لكن تعقبه المحدث أبو إسحاق الحوينى في "تنبيه الهاجد" [رقم ٥٣٢]، قائلًا: "قلتُ: رضى الله عنك، فلم يتفرد به ابن عيينة؛ فتابعه حماد بن سلمة، ثنا عليّ بن زيد قال: أظنه عن أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لصوت أبى طلحة أشد على المشركين من فئة" أخرجه أحمد [٣/ ٢٤٩]، قال: حدّثنا عفان، ثنا حماد بن سلمة". قلتُ: وهذا تعقب ضعيف، ولا يتم لصاحبه إلا إذا كانت متابعة حماد مطابقة - في الغالب - لرواية ابن عيينة، والمطابقة هنا مفقودة لأمرين: الأول: أن متابعة حماد لابن عيينة؛ إنما هي على نحو شطر الحديث الأول فقط، فصح بهذا إطلاق أبى نعيم بتفرد ابن عيينة به عن ابن جدعان على سياق الحديث كله، وهذا أمر ينبغى التفطن له؛ حيث ترى الناقد من الأئمة الكبار: ربما جزم بتفرد راوٍ بحديث على سياق خاص؛ أو بزيادة وقعت فيه، ونحو ذلك؛ فيأتى بعضهم ويستدرك عليه بكون هذا المتفرد قد توبع عليه: تابعه بعضهم على بعضه فقط، فيكون مُشرِّفًا فيما يُغرب فيه ذلك الناقد، وهذا يقع بكثرة فيمن يكثر من التعقب على صاحب "المستدرك"؛ فأحيانًا ترى الحاكم يروى حديثًا على سياق خاص، ثم يقول: "هذا إسناد صحيح على شرط البخارى ولم يخرجاه" ويكون أصل الحديث في البخارى أو بعض منه؛ فيأتى بعض المتسرعين، ويستدرك على الحاكم مشنِّعًا عليه بكون الحديث عند البخارى في "صحيحه" فلا داعى لاستدراكه عليه.=