فنقول: أخرج مالك في موطئه [١٩٣]، ومن طريقه أبو داود [٨٢٦]، والترمذى [٣١٢]، والنسائى [٩١٩]، وأحمد [٢/ ٣٠١]، وابن حبان [١٨٤٩]، والبيهقى في "سننه" [٢٧١٦]، وفى "المعرفة" [٩٤٧]، والشافعى في "سننه" [رقم ٣٠/ رواية الطحاوى]، والبغوى في "شرح السنة" [٣/ ٨٣]، والطحاوى في "شرح المعانى" [١/ ٢١٧]، وغيرهم من طرق عن مالك عن ابن شهاب عن ابن أكيمة الليثى عن أبى هريرة: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال: هل قرأ معى منكم أحد آنفًا؟! فقال رجل: نعم أنا يا رسول الله، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنى أقول: ما لى أنازع القرآن؟! فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما جهر فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقراءة حين سمعوا ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) هذا لفظ مالك. قال الترمذى: "هذا حديث حسن". قلتُ: وسنده صحيح مستقيم؛ وابن أكيمة: قد اختلف في اسمه على أقوال، وانفرد عنه الزهرى بالراوية، كما جزم به جماعة من الكبار؛ ونازع بعضهم في ذلك؛ وقد وثقه ابن معين وابن حبان وغيرهما؛ وقال أبو حاتم الرازى: "صحيح الحديث، حديثه مقبول" وقال الفسوى: "هو من مشاهير التابعين بالمدينة" وزكاه غير واحد من النقلة، وصحح جمع من الأئمة حديثه هذا، وبعضهم حسنه، وكل هذا يرد على قول من جهله أو لم يعرفه، أو أعل حديثه به! كما فعل أبو محمد الفارسى والبيهقى وجماعة، وقد تعقبنا الجميع في "غرس الأشجار" بما لا مزيد عليه ... ثم أعلم أن قول الزهرى في آخر الحديث عند المؤلف وغيره: قد أدرجه مالك وجماعة وجعلوه من قول أبى هريرة، كما مضى في رواية مالك سابقًا، وكل ذلك وهم إن شاء الله ... والصحيح: أن قوله في رواية مالك وغيره: (فانتهى الناس عن القراءة .... إلخ) مدرج من قول الزهرى، كما جزم بذلك البخارى وأبو داود والفسوى والذهلى والبيهقى والخطابى والخطيب وابن حزم وأبو عليّ الطوسى وغيرهم؛ وَبيَّنه الخطيب في "الفصل للوصل" [١/ ٢٩٠ - ٣٠١]، بيانًا شافيًا؛ ونازع في هذا جماعة من المتأخرين، وحاكموا هؤلاء الكبار بما لا يثبت عند النقد أصلًا! وقد ناقشناهم طويلًا في "غرس الأشجار" واللَّه المستعان لا رب سواه.