فهذان لونان من الاختلاف على ابن بى ذئب فيه، ولون ثالث، فرواه عنه أبو على الحنفى الثقة المعروف فقال: عن ابن أبى ذئب عن عثمان بن محمد الأخنسى عن سعيد المقبرى عن أبى هريرة مرفوعًا: (من استعمل على القضاء فكأنما ذبح بالسكين) فنسب سعيدًا مقبريًا، وهو سعيد بن أبى سعيد المقبرى الثقة صاحب أبى هريرة، هكذا أخرجه النسائي في "الكبرى" [٥٩٢٤]، وقال: "عثمان بن محمد الأخنسى ليس بذاك القوى؛ وإنما ذكرناه لئلا يخرج عثمان من الوسط، وليس ابن أبى ذئب عن سعيد". قلتُ: يعنى: "لئلا يدلس فيسقط عثمان، فإذا أسقطه أحد فليعلم أنه بالطريق" هكذا قاله ابن ابن القيم في تهذيب السنن (٩/ ٣٥٢). وبيان ذلك: أن ابن أبى ذئب من المشهورين بالرواية عن سعيد المقبرى، بل هو أحد الأثبات فيه كما قاله ابن المدينى وعنه ابن رجب في "شرح العلل " فلو أنه سمع من المقبرى بواسطة؛ ثم دلسها وروى عن المقبرى مباشرة، ما فطن لذلك إلا القليل، فلعل النسائي خشى أن يرويه بعضهم عن ابن أبى ذئب عن المقبرى عن أبى هريرة، بإسقاط (عثمان الأخنسى) من الوسط، فلا يُهْتَدَى إليه، ويكون ظاهر الإسناد الجودة، فأراد النسائي التنبيه على أن ابن أبى ذئب ما سمع هذا الحديث من المقبرى إلا بواسطة (عثمان الأخنسى). وربما خشى النسائي: أن يهم بعضهم فيه على ابن أبى ذئب، ويرويه عنه بإسقاط (عثمان الأخنسى) من سنده، وعثمان ضعيف عنده؛ فلذلك أخرج الحديث في كتابه؛ وإن لم يكن على شرطه؛ لينبه على هذا الأمر الدقيق الذي لا ينتبه له إلا النابهون، فقد يغتر البعض إن هو وقع على طريق يرويه بعضهم عن ابن أبى ذئب عن المقبرى عن أبى هريرة بالحديث، مع إسقاط (عثمان الأخنسى) من سنده، فينخدع بجودة هذا الطريق، مع علمه بأن بعضهم قد رواه عن ابن أبى ذئب عن المقبرى وأدخل بينهما (عثمان الأخنسى) فربما زعم أن الوجهين كلاهما محفوظان، وأن ابن أبى ذئب ربما سمعه من المقبرى بواسطة؛ ثم قابله فحدثه به مباشرة دونها، فيكون الإسناد من المزيد عندهم، ويصح من الوجهين جميعًا على القول بكون عثمان الأخنسى صدوقًا مقبولًا، فقطع النسائي هذا السبيل البتة، فلله دره من حافظ حاذق! =