قلتُ: وهذا أعدل الأقوال فيه، فإن قيل: قد سئل الإمام أحمد عن تلك الأحاديث التى فيها: "من كتم علمًا ألجمه الله بلجام من نار" فقال: "لا يصح منها شئ" كما نقله عنه أبو بكر بن صدقة الحافظ في "مسائله" وعنه الخلال في "جامعه" وعنه ابن مفلح في "الآداب الشرعية"، فما جوابكم؟!. قلنا: هذا كلام مستقيم، فإن الأحاديث في هذا الباب لا يثبت منها شئ على التحقيق، إلا أنها تنتهض بمجموعها على الاحتجاج بها؛ فإن كان مراد الإمام أحمد: أنها لا تصح أصلًا مفردة أو مجتمعة، فقد عارضه غير واحد من المتقدمين، كالترمذى والعقيلى وغيرهما، وصححه خلق من المتأخرين كما مضى الإشارة إليه، فإذا اختلف قول المتقدمين من أئمة هذا الشأن في صحة رواية وضعفها؛ فإن للاجتهاد مُتَّسَعًا في الترجيح بين أقوالهم على وفق مناهجهم، وجادة طريقهم في النقد والتعليل. ولو لم نجد للمتقدمين: كلامًا حول تلك الأحاديث، إلا مقولة الإمام أحمد الماضية؛ لما عدلنا عنها، وما توجهنا! لا إليها، ضاربين بأقوال المتأخرين - حول تلك الأحاديث - عرض الحائط، لكن الحق أحق أن يتبع، والدَّقَّ لرأس المبطل أوفق إن لم يُقْطَع، وما تحلى طالب علم بأحسن من الإنصاف وترك التعصب للعلماء والناس، ألهمنا الله مسايرة السبيل الحق في القول والعمل. وبعد: فلعلنا نفرد جزءًا حديثيًا، نستوعب فيه تخريج هذا الحديث وطرقه وشواهده ... والله المستعان لا رب سواه.