وقد خولف أشعث بن سوار في سنده، خالفه شعبة والثورى وجماعة من كبار أصحاب أبى إسحاق السبيعى، كلهم رووه عنه، فقالوا: عن أبى إسحاق قال: سمعت البراء بن عازب قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلًا مربوعًا ... عليه حلة حمراء ما رأيتُ شيئًا قط أحسن منه)، فجعلوه من (مسند البراء)، ولم يذكروا سوى هذا السياق المختصر، وهو دون سياق المؤلف وغيره، هكذا أخرجه البخارى ومسلم وجماعة كثيرة، وقد مضى عند المؤلف [برقم ١٧١٤]، واللفظ الماضى له، وقد مضى أيضًا [برقم ١٦٩٩، ١٧٠٥]. وهذا الوجه: هو الذي صوَّبه النسائي عن أبى إسحاق السبيعى، فقد ساق في "سننه الكبرى" هذا الوجه الثاني عن أبى إسحاق، ثم أتبعه برواية أشعث بن سوار عن أبى إسحاق عن جابر به. ثم قال عقبه: "هذا خطأ، والصواب الذي قبله، وأشعث ضعيف". قلتُ: والصناعة الحديثية تؤيِّد ما صوبه أبو عبد الرحمن! لكن خالفه صاحب "المستدرك"، وقال عقب روايته حديث أشعث عن أبى إسحاق: "هذا حديث صحيح الإسناد"، كذا قال على عادته، ومعلوم تساهل الرجل في هذا الباب جدًّا. لكن قال الترمذى عقب رواية الحديث في "جامعه": "سألت محمدًا - يعنى البخارى - قلتُ له: حديث أبى إسحاق عن البراء أصح، أو حديث جابر بن سمرة؟! فرأى كلا الحديثين صحيحًا". قلتُ: ولفظه في "العلل الكبير" [ص ٣٤٤/ طبعة عالم الكتب] بعد أن ساق الوجهين عن أبى إسحاق، قال: "سألتُ محمدًا، فقلت له: ترى هذا الحديث - يعنى حديث جابر - هو حديث أبى إسحاق عن البراء؟! قال: لا، هذا غير ذاك الحديث)، قال الترمذى: "كأنه رأى الحديثين جميعًا محفوظين". قلتُ: كذا قال، وعلى التنزل بصحة الوجهين عن أبى إسحاق، يبقى أنه لم يذكر سماعه في حديث جابر، وهو عريق في التدليس كما مضى، وكون البخارى: يرى أن رواية أبى إسحاق عن جابر في هذا الحديث: محفوظة، لا يعنى ذلك أنه يصحح سندها، وعلى التسليم بكونه يصححها، فقد مضى: أن الصناعة الحديثية: تقتضى أن يكون حديث جابر هنا: =