وعملنا إلى الليل بقيراطين. ووجه استدلالهم أن الطائفتين قالتا: ما بالنا أكثر عملًا أقل أجرًا، ولا يكون ذلك إلا أن يكون ما بين الظهر والعصر أكثر مما بين العصر والمغرب، وذلك يقتضي أن تكون صلاة العصر بعد أن يكون الظل مثليه). وردَّه -رحمه الله- بأن النصارى لم يقولوا ذلك منفردين به حتى يلزم منه ما ذكر، بل المذكور أن الطائفتين معًا قالتا ذلك، ولا شك أن من أول النهار إلى العصر أكثر مما بعد العصر إلى الليل. قال ابن العربي -رحمه الله-: (ثم العجب منهم تركوا أحاديث الأوقات المبنيّة للنبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء والصحابة، وعدلوا إلى ضرب المثل ومضيق التأويل وما هذا بفعل أرباب التحصيل، ولا تترك النصوص للتأويلات ولو صحت) اهـ. واستدل بالحديث من قال: إن الظهر تشترك مع العصر في أول وقتها، وهو مالك وابن جرير والمزني من أصحاب الشافعي وأبو ثور وغيرهم، وقد نسب إلى الشافعي القول بأن بين الوقتين فاصل من الوقت ليس من أحدهما، وأنكره ابن حجر وقال: إن المروي أن الوقت منفصل عن الوقت، ومراده نفي الإشتراك. إلا أنهم اختلفوا في كيفية الإشتراك، فقال مالك: يدخل العصر على الظهر، فإذا صار الوقت قبل أن يصير ظل كل شيء مثله وبقي للظهر مقدار أربع ركعات؛ فذلك داخل في أول وقت العصر فتشترك الصلاتان فيه، وعند بعضهم وهو رواية أشهب عن مالك: أن ذلك الإشتراك إنما هو في أول القامة أي بعد صيرورة ظل كل شيء مثليه، فيدخل وقت العصر ويبقى مقدار أربع ركعات من وقت الظهر. وهذا الخلاف ينبني على تغير لفظة (صلى) في اليوم الأول منها والثاني، لأن صلى يحتمل: شرع، ويحتمل: فرغ من. فإن قلنا إن قوله:(صلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله) أي فرغ؛ فيكون قد صلاها في آخر وقت الظهر، وإن قلنا إنه بدأ بها؛ فيكون لم يشرع فيها إلا بعد إنتهاء القامة. فلما كان المقصود بيان أوله وآخره رأى بعض العلماء أن معنى (صلى) في اليومين مختلف، ففي اليوم الأول (صلى) بمعنى: بدأ بها، وفي اليوم الثاني (صلى) بمعنى: فرغ منها، لكن من قال: إن الظهر دخلت في وقت العصر؛ يستدل بقوله في الرواية: لوقت العصر بالأمس، فهذا صريح في أن الظهر لم تصل في اليوم الثاني إلا بعد صيرورة ظل كل شيء مثله، لأن ذلك وقت ابتداء العصر في اليوم الأول.