للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وما أراها إلا هفوة من هذا الإِمام -رحمه الله- ولولا حسن الظن به لقلت إن الحامل له على ذلك قول من قال بأن مكة ليست بأفضل من المدينة ولا يحتاج في رد هذا القول إلى مثل هذا من الكلام لأنه تفضيل له أدلة ثابتة غير هذا وأما الاحتجاج بكون مكة يطلق عليها المسجد كقوله: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (فلا يقربوا المسجد الحرام) فغير صحيح لأن ذلك نوع من المجاز وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا والمراد بقوله عند المسجد قربه وكذلك الآية وأما التشبث باسم الإشارة في قوله هذا إنما يراد تعيينُه عما شاركه في النسبة - صلى الله عليه وسلم - كمسجد قباء وغيره مما خطَّه وعيَّنه من المساجد وكيف يظن بالصحابة الخلفاء وغيرهم ممن سمعوا هذا الحديث ألا يحرص أحد منهم على الصلاة في ذلك المكان الأول دون الزيادة ولم ينقل عن أحد منهم بل ولا من السلف فعل ذلك ولا قوله قبل النووي وقوله: إلا مسجد الكعبة وفي رواية الصحيحين من حديث أبي هريرة إلا المسجد الحرام اختلفوا في هذا الاستثناء لأنه يحتمل ثلاثة أوجه أولًا: يحتمل المساواة ويدل على المساواة في الجملة وإن خالفت عدد التفضيل رواية أبي الدرداء عند الطبراني بسند حسن "الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة" فهذا يدل على المساواة ويحتمل المساواة أيضًا حديث جابر عند ابن ماجه "صلاة في مسجدي أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه" إلا أنه يحتمل: أن مسجده - صلى الله عليه وسلم - دخل في قوله: فيما سواه ويحتمل: أن المراد بالاستثناء أنه خير بأقل من هذا العدد والاحتمال الثالث: تؤيده رواية أنس عند ابن ماجه مع أنه مخالف لرواية الأكثرين وفيه مجهول حال وهو أبو الخطاب الدمشقي وفيه صلاة في مسجدي بخمسين ألف صلاة وصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة وهذا وإن خالف رواية الأكثرين بل رواية أنس عند الطبراني في الأوسط والبزار كرواية الجماعة آخرها الاستثناء فإنه فيه دليل على تفضيل الصلاة في المسجد الحرام وفي حديث عمر بن الخطاب من رواية الزبير حدّث به على المنبر أن عمر قال على المنبر: صلاة في المسجد الحرام أفضل مما سواه من المساجد قال ابن عبد البر: (ولم يرد أحد قولهما وهم القوم لا يسكتون على

<<  <  ج: ص:  >  >>