عن ابن العربي إنما هو في استحباب الجمع بين الصلاتين بغسل واحد، وهذا كما قدّمنا إنما يعني به الغسل الزائد على المرة الأولى، ولا شك أن حمل أحاديث الأمر بالغسل لكل صلاة على الندب أولى من ترك العمل بها، مع استقامة إسناد بعضها بل غالبها. وأما حملها على المتحيرة كما تقدّم عن الشافعي والخطابي؛ فإنه يعكر عليه عدم استفسار النبي - صلى الله عليه وسلم - عن حالة كل من النساء اللاتي استفتينه عن الاستحاضة، فلم يثبت أنه استفسر واحدة منهن عن كونها تميّز أوْ لا؟ وترك الاستفسار في مثل هذا يدل على أن فتواه شملت كل حالات المستحاضة والله أعلم.
تنبيه:
لم يرد في شيء من هذه الروايات أن المرأة تمكث أكثر من أيام حيضها أو قدر أيام حيضها, وليس في شيء منها أنها تزيد شيئًا عليها، وذلك يدل على عدم الاستظهار وهو أنها تمكث بعد مضي عادتها ثلاثة أيام لاحتمال انتقال العادة ما لم تجاوز أكثر الحيض، وهو مروي عن مالك -رحمه الله- وعليه العمل عند أكثر أهل مذهبه.
قال الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد البر -رحمه الله- في شرح حديث هشام في الاستحاضة:(وفيه رد لقول من قال بالاستظهار يومًا أو يومين أو ثلاثة أو أقل أو أكثر، لأنه أمرها إذا علمت أن حيضتها قد أدبرت وذهبت أن تغتسل وتصلي، ولم يأمرها أن تترك الصلاة لانتظار حيض يجيء أو لا يجيء والاحتياط إنما يجب في عمل الصلاة لا في تركها, ولا يخلو قوله عليه الصلاة والسلام أن يكون أراد إنقضاء أيام حيضتها لمن تعرف الحيضة وأيامها، أو يكون أراد إنفصال دم الحيض من دم الاستحاضة عند من يتميز ذلك، فأي ذلك حصل لم يأمرها باستظهار). ثم ذكر ما معناه أن الصلاة فرض لا يجوز تركها حتى تستيقن أي تستيقن حصول المانع لها، وذكر عن مالك أنه قال هو وغيره: لأن تصلي المرأة المستحاضة وذلك ليس عليها؛ خير من أن تدع الصلاة وهي واجبة عليها.
قال: (وقال بعض أصحابنا: الحديث دليل على صحة الاستظهار لقوله -عليه السلام- للمستحاضة:"فهذا ذهب قدرها" يعني الحيضة لأن قدر الحيضة قد