شهر مرة فهذا لا خلاف فيه أنه يمنع الصلاة والصيام والطواف بالبيت، وكذلك سائر الأحكام المتقدمة مما يتوقف على الطهارة كدخول المسجد وكذا الوطء، ولا تقضي الصلاة التي تفوتها أيامه بخلاف الصوم.
والثاني: دم النفاس: وهو الخارج عند الولادة سواء كان الولد بالغًا مدته أو ألقته قبل بلوغ مدته بعد التخلق، وهذا الدم حكمه حكم دم الحيض في الموانع كلها ووجوب قضاء الصوم دون الصلاة عليها.
الثالث: وهو دم الاستحاضة: وهو الذي كثر فيه الاختلاف لاختلاف الأحاديث الواردة فيه. قال ابن رشد -رحمه الله- بعد ذكره للخلاف في الغسل نحو ما تقدّم: (فيتحصل في المسألة بالجملة أربعة أقوال: قول إنه ليس عليها إلا طهر واحد فقط عند إنقطاع دم الحيض، وقول إن عليها الطهر لكل صلاة، وقول إن عليها ثلاثة أطهار في اليوم والليلة، وقول إن عليها طهرا واحدًا في اليوم والليلة. "قلت: يعني بالطهر الغسل".
والسبب في اختلافهم في هذه المسألة هو اختلاف ظواهر الأحاديث الواردة في ذلك، وذلك أن الوارد في ذلك من الأحاديث المشهورة أربعة أحاديث: واحد منها متفق على صحته وثلاثة مختلف فيها. أما المتفق على صحته فحديث عائشة فذكر حديثها في قصة فاطمة بنت أبي حبيش وفي آخره:"وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي" قال: وفي بعض روايات هذا الحديث: "وتوضئي لكل صلاة" وهذه الزيادة لم يخرجها البخاري ولا مسلم، وخرجها أبو داود وصحّحها قوم من أهل الحديث.
والحديث الثاني حديث عائشة: أن أم حبيبة بنت جحش فذكر الحديث "فأمرها أن تغتسل لكل صلاة" قال: وهذا الحديث هكذا أسنده ابن إسحاق عن الزهري، وأما سائر أصحاب الزهري فإنما رووا عنه أنها استحيضت فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لها:"إنما هو عرق وليست بالحيضة وأمرها أن تغتسل وتصلي" فكانت تغتسل لكل صلاة، على أن ذلك هو الذي فهمت منه لا أن ذلك منقول من لفظه عليه الصلاة والسلام.
وأما الثالث: فحديث أسماء بنت عميس أنها قالت: "يا رسول الله إن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت فقال: لتغتسل للظهر والعصر غسلا واحدًا،