قال ابن رشد: وأما من ذهب مذهب النسخ فقال: إن حديث أسماء بنت عميس ناسخ لحديث أم حبيبة، واستدل على ذلك بما روي عن عائشة:"أن سهلة بنت سهيل استحيضت وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمرها بالغسل عند كل صلاة، فلها جهدها ذلك أمرها أن تجمع بين الظهر والعصر بغسل، وكذا المغرب والعشاء وتغتسل للصبح". وأما الذين ذهبوا مذهب الجمع فحملوا حديث فاطمة على من تميز الحيض من الاستحاضة وحديث أم حبيبة على التي لا تميز) اهـ. منه باختصار لكلامه -رحمه الله-.
قلت: ومن وجوه الجمع حمل الأمر بالغسل على الندب أو على التخيير، وكلٌّ يدل على عدم الوجوب، ويشهد له ما في حديث حمنة بنت جحش أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "خيّرها بين الغسل لكل صلاة أو الجمع" على ما تقدّم بيانه.
فائدة أخرى:
اختلف العلماء في جواز وطء المستحاضة، فالجمهور من فقهاء الأمصار على جوازه، وهو قول ابن عباس وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعكرمة وعطاء بن أبي رباح والليث بن سعد والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهما والأوزاعي وأبي ثور وروي عن الحسن مثله. وقال ابن وهب على ما نقله ابن عبد البر عنه: وقال مالك: أمر أهل العلم والفقه على ذلك، وإن كان دمها كثيرًا قال مالك: إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا لم تكن حيضة فما يمنعه أن يصيبها وهي تصلي وتصوم. قال ابن عبد البر ما معناه:"إن حكم الشرع أن دم الاستحاضة لا يمنع الصلاة، وتعبد فيه بعبادة غير عبادة دم الحيض فوجب أن لا يحكم فيه بحكم الحيض، إلا أن يجمعوا على شيء فيكون موقوفًا على ذلك، وإنما أجمعوا على غسله كسائر الدماء".
القول الثاني: إن المستحاضة لا يطؤها زوجها وأن الرخصة إنما هي في الصلاة والصوم. وهذا القول يروى عن عائشة وهو قول الحكم والنخعي من العراقيين، وهو قول ابن عُليَّة. وذكر ابن عبد البر أن سليمان بن يسار سئل عن ذلك؟ فقال: إنما سمعت بالرخصة في الصلاة، وعن الزهري نحوه وهو قول الشعبي والحكم وابن سيرين، قاسوه على دم الحيض لأنه أذى مثله.
والقول الثالث: إنه لا يطؤها إلا أن يطول به الحال أي يلحقه الضرر