الضمير وأضيفت إلى الظاهر أعربت إعراب المقصور. و (سأل) معناه طلب، و (العمل) أي الولاية على شيء من الأعمال، وهو تفسير المحذوف في رواية البخاري لأن فيها:"كلاهما سأل" وقوله: (فقلت) الفاء سببية أو عاطفة، والقائل أبو موسى، أي للنبي - صلى الله عليه وسلم -: (والذي بعثك بالحق) أي: والله الذي بعثك بالحق أي: أرسلك بالصدق والحق ضد الباطل. (نبيًا) حال من "بعثك" أي: منبئًا من الله، أي: مخبرًا بالنبأ، فهو اسم مفعول من النبأ: وهو الخبر ذو الشأن. و (ما) نافية، و (أطلعاني) يعني أعلماني وأخبراني: أي عما عزما عليه من طلب العمل، (على ما في نفوسهما) حتى أطلعك عليه، ففيه إطلاق الجمع على الاثنين، ومنه قوله تعالى:{فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} أي مالت. والقاعدة أن كل عضو في الإنسان مفرد لك فيه الجمع إذا أضيف. قال الخليل بن أحمد والفراء: كل شيء يوحد من خلق الإنسان إذا أضيف إلى اثنين جمع، تقول: هشمت رؤوسهما وأشبعت بطونهما، قال تعالى:{فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} ويجوز فيه التثنية أيضًا، وقد جمع الشاعر -بينهما وهو خطام المجاشعي- في قوله:
ومهمهين قذفين مرتين ... ظهراهما مثل ظهور الترسين
وقوله:(ما شعرت) أي: ما علمت، من: شعر بالشيء إذا علم، ومنه قول الشاعر:
ألا أيها الركب المخبون هل لكم ... بساكن أجراع الحمى بعدنا خبر
فقالوا طوينا ذاك ليلًا فإن يكن ... به بعض من تهوى فما شعر السفر
أي: ما علموا، وهو -بضم العين في شعر وفتحها- من الشعور الذي هو العلم، وسمّي الشاعر شاعرًا لقوة إدراكه المعاني وإحساسه. وقوله:(أنهما) أي بأنهما يطلبان العمل، وهذا اعتذار من أبي موسى للنبي - صلى الله عليه وسلم - كما صرح به في الرواية الأخرى:"فاعتذرت إليه فقبل عذري". والمصدر المنسبك من أن ومعموليها في محل جر بحرف محذوف، أي: بطلبهما للعمل، وهو في محل نصب بـ"شعر" لأنه يتعدى بحرف الجر، وحذف حرف الجر في هذه الحالة مطرد كما قال ابن مالك -رحمه الله تعالى-:
وعد لازما بحرف جر ... وإن حذف فالنصب للمنجر
نقلًا وفي إن وأن يطرد ... مع أمن لبس كعجبت أن يدوا