للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قد تدل على التأبيد عند جماعة، والصحيح أن دلالتها على تأبيد النفي تتوقف على القرينة، خلافًا لمن أطلق عليها الدلالة على التأبيد مطلقًا. وقوله: (نستعين) أي نطلب العون، بمعنى: نستعمل، لأن من ولى أحدًا على عمل فقد استعان به عليه، والعمل أمانة وطلب التأمين على الأمانة موجب للتهمة، وقد جاءت السنة الصحيحة بالنهي عن سؤال الإمارة وأنه إن سألها وُكِلَ إليها، ولا شك أنه إذا وكل إليها ضيّعها. قوله: (ولكن) حرف استدراك مخفف من "لكنَّ"، وإذا خفف بطل اختصاصه فبطل عمله. وقوله: (اذهب أنت) أي: وقد وليتك أنت فاذهب إلى عملك، وشك الراوي هل خاطبه بكنية أبي موسى أو باسمه عبد الله بن قيس لأنه لم يطلب العمل، وفي هذا نوع من حسن صنعه - صلى الله عليه وسلم -، فإنه لما لم يتمكن من تأميرهما للمانع الشرعي ولى قريبهما. وقوله: (فبعثه على اليمن) أي أميرًا عليه، (ثم أردفه) أي أرسل بعده معاذ بن جبل، لأن الرسول إذا أرسل بعد الأول صار كأنه رديف، والرديف والردف: الذي يكون خلف الراكب على الدابة والبعير، فاستعير للتابع لغيره في أمر ما من الأمور. وظاهر الرواية أن معاذًا عيّن بعد أبي موسى وذهب بعده، لأن "ثم" حرف عطف تقتضي التشريك والترتيب والتراخي، وفي كل منها خلاف مبين في محله، وقد تكون لترتيب الذكر كما في قوله تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} وقوله: {وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (٨) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} على خلاف في ذلك وله نظائر وهي هنا إما أنها للتراخي أو تكون بمعنى الفاء، كما قال فيها بعض العلماء إنها تكون بمعناه، وهذا ظاهر رواية المصنف بثم إنها إما للتراخي أو هي بمعنى الفاء، فالرواية هنا: "ثم أتبعه معاذ بن جبل"، ورواية البخاري في المغازي بلفظ: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا موسى ومعاذًا إلى اليمن فقال: "يسّرا ولا تعسّرا" الحديث، وظاهره أنهما ذهبا معًا، ويجمع بين الروايتين بكونه عيّن أبا موسى أولًا ثم عيّن معاذًا بعده قبل أن يذهب، فلما أرادا الخروج أوصاهما، وهذا هو الظاهر. ويحتمل أن يكون قال ذلك للأخير منهما، ولكن الوجه الأول أولى، ويكون إتباعه له بمعنى تعيينه بعد تعيين الأول، لأنه يصير تابعًا له بهذا الاعتبار، لأن الإرداف إتباع في الجملة. أَرْدَفَه الشيء وأردفه به: أتبعه إياه، قال الشاعر:

فأردفت خيلًا على خيل لي ... كالثقل عالى به المعلي

<<  <  ج: ص:  >  >>