للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

حكمة وإيمانًا) أي ملأه الملك من الحكمة والإيمان، وتقدم الكلام عليهما قريبًا وسيأتي في الفوائد، كما تقدم الكلام على ثم في السواك (ح ٤). وقوله: (أتيت بدابة) أي أتاني الملك كما هو مصرح به في غير هذه الرواية، (بدابة) الدابة أصلها ما دبّ على وجه الأرض أي تحرك، غير أن العرف في الإستعمال خصّصها بذات الأربع فصارت عرفًا عليها، وقد صرحت الروايات الأخر في الصحيحين وغيرهما أنها تسمى (البراق)، وأن الأنبياء كانت تركبها قبله عليه الصلاة والسلام. وقوله: (دون البغل) دون ظرف مكان في الأصل ويكون وصفًا فيكون نقيض فوق، وهو تقصير عن الغاية فتقول في التقريب: هذا دون هذا أي أقرب منه، وهذا دون هذا في التحقير أي أقل منه قدرًا وعددًا، وحقه في التحقير ونحوه إذا كان وصفًا أن يرفع ويدخل عليه تغيير الإعراب، ولكنه لما كان الأكثر فيه الظرفية نصب في الغالب، إلا إذا دخل عليه حرف الجر كما قال سيبويه في قوله تعالى: {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} أي: قوم دون ذلك، وهي منصوبة وموضعها رفع، ويكون بمعنى أمام وبمعنى وراء، فمن الأول: قول الشاعر يصف خمرًا:

تريك القذى من دونها وهي دونه ... إذا ذاقها من ذاقها يتمطق

حمل على أن المراد أن القذى من ورائها وهي دونه، فوصفه بقوله (من دونها) وفيه عندي نظر. ومن الثاني: قولهم: أمير على ما دون جيحون؛ بمعنى ما وراءه. وتكون بمعنى فوق، كأن تجيب من وصف شخصًا بالشرف فتقول: هو دون ذلك أي فوق ذلك، وبضده أن يكون أقل منه منزلة أو قدرًا؛ وهو المراد في الحديث هذا لأنه قابله بقوله: (وفوق الحمار)؛ ومن هذا المعنى قوله: "ليس فيما دون خمس أواق صدقة" ويكون بمعنى غير كقوله: {أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ} أي غير الله، ومثله: {وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ} أي غير ذلك، وله نظائر في القرآن ومنه قوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} أي: ما سوى ذلك. ومن استعماله في الحقارة قول الشاعر:

إذا ما علا المرء نال العلاء ... ويقنع بالدون من كان دونا

أي حقيرًا، والمعنى في الحديث أن هذه الدابة التي هي البراق حجمها متوسط بين حجم البغل وحجم الحمار، أي: أصغر من حجم البغل وفوق

<<  <  ج: ص:  >  >>