بعضهم بأن إدريس قاله تواضعًا، والأنبياء كلهم إخوانه في الدين، وفي الحديث:"الأنبياء أولاد علّات"، والعلات: الضرائر، فمعناه ما وضحه الحديث: بأن الدين واحد، كالأب الواحد والشرائع مختلفة كالأمهات المختلفات، ومن قال: إنه أب لنوح قال: اسمه آخنوخ بالعبرية، وهو سبط شيث وجدّ أبي نوح، قالوا: هو أول من نظر في النجوم وخطّ، وفي رواية شاذة أنه قال له: بالابن، ولم أقف عليها وإنما ذكرها الشهاب من شرح الشفا والعيني في شرح البخاري، ثم ذكر أن في السماء الخامسة هارون وفي السادسة موسى وفي السابعة إبراهيم. وقوله:(في موسى فلما جاوزته بكى) وذلك للسبب الذي ذكره موسى وهو أنه أسف لعدم كثرة من يدخل الجنة من أمته، فبكى أسفًا عليهم لا أنه حسد أخاه على فضل الله عليه وعلى أمته، لأن الحسد في حق الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ممنوع، وهو من الأمراض السيئة في القلوب، وأكبر شاهد على حبه للخير لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ولأمته؛ أمره له بمراجعة ربه حتى خفّف عنهم الصلاة. وما جاء في الرواية الأخرى من قوله: يا رب ما ظننت أن ترفع علي أحدًا؛ نوع من الغبطة إن صحت الرواية به، وكذا قوله (هذا الغلام) إنما هو على سبيل التوجع السابق، ووصفه له بكونه غلامًا يحتمل أنه قال ذلك لكبر سن موسى عليه، وهو على ما قاله بعضهم: إن العرب تصف المستجمع القوى من الرجال بالغلام لأن العادة جرت أن الشباب محل القوة والنشاط. قال أبو جهل لعنه الله:
ما تنقم الحرب العوان مني ... بازل عامين حديث سنيّ
ومما يقوي الوجه الأول قوله:(الذي بعثه بعدي) أي بزمن طويل، فكأنه شاب بالنسبة لزمن موسى، وقال العيني:(لم يرد به استصغار شأنه، فإن الغلام قد يطلق ويراد به القوي الطري الشباب، والمراد: استقصار مدته مع عظيم منة الله عليه وكثرة فضائله)، وقال الخطابي: الغلام ليس علامة على الإزدراء والإستصغار لشأنه، إنما هو على تعظيم منة الله، عليه مما أناله من النعمة وأتحفه به من الكرامة، من غير طول عمر أفناه في طاعة الله، وقد تسمي العرب الرجل المستجمع السن: غلامًا، مادام فيه بقية من القوة، وذلك في لغتهم مشهور. فذكر أنه وجد موسى في السماء السادسة وإبراهيم في السابعة،