الفريضة أهو نسخ أم لا؟ على قولين؛ فقال قوم: هو من باب نسخ العبادة قبل العمل بها، وأنكر أبو جعفر النحاس هذا القول من جهتين إحداهما: البناء على أصله ومذهبه في أن العبادة لا يجوز نسخها قبل العمل بها، لأن ذلك عدَّه من البدَاء والبدَاء محال على الله سبحانه. الثاني: أن العبادة إن جاز نسخها قبل العمل بها عند من يرى ذلك، فليس يجوز عند أحد نسخها قبل هبوطها إلى الأرض ووصولها إلى المخاطبين. قال: وإنما ادعى النسخ في هذه الصلوات الموضوعة عن محمَّد - صلى الله عليه وسلم - وأمته: القاشاني، ليصحّح بذلك في أن البيان لا يتأخر. ثم قال أبو جعفر: إنما هي شفاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمته ومراجعة راجعها ربه ليخفف عن أمته، ولا يسمى مثل هذا نسخًا، ثم قال السهيلي -رحمه الله-: أما مذهبه في أن العبادة لا تنسخ قبل العمل بها وأن ذلك بداء فليس بصحيح، لأن حقيقة البداء أن يبدو للآمر رأي يتبين له الصواب فيه بعد أن لم يكن تبينه، وهذا محال في حق من يعلم الأشياء بعلم قديم، وليس النسخ من هذا في شيء، إنما النسخ تبديل حكم بحكم، والكل في سابق علمه ومقتضى حكمه، كنسخ المرض بالصحة والصحة بالمرض ونحو ذلك. وأيضًا فإن العبد المأمور يجب عليه عند توجه الأمر إليه ثلاث عبادات: الفعل الذي أمر به والعزم على الإمتثال واعتقاد الوجوب، وعلم الله ذلك منه فصحَّ امتحانه له واختباره إياه، وأوقع الجزاء على حسب ما علم من نيّته، وإنما الذي لا يجوز: نسخ الأمر قبل نزوله وقبل علم المخاطب به، والذي ذكره النحاس من نسخ العبادة بعد العمل بها؛ ليس هو حقيقة النسخ، لأن العبادة المأمور بها قد مضت، وإنما جاء الخطاب بالنهي عن مثلها لا عنها) اهـ. قلت: معنى هذا أن المفعول من العبادة الذي ثبت عمل العبد له قبل النسخ؛ لا يبطل ثوابه بالنسخ كما قال تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} وإنما أمر العبد بترك ما كان يعمل وذلك لا يبطل عمله السابق. ثم قال السهيلي -رحمه الله-: (وقولنا في الخمس والأربعين صلاة الموضوعة عن محمَّد - صلى الله عليه وسلم - وأمته أحد وجهين: إما أن يكون نسخ ما وجب على النبي - صلى الله عليه وسلم - من أدائها، ورفع عنه استمرار العزم واعتقاد الوجوب، وهذا قد قدمنا أنه نسخ على الحقيقة، ونسخ عنه ما وجب عليه من التبليغ فقد كان في كل مرة عازمًا على تبليغ ما أمر به، وقول أبي جعفر؛ إنما كان شافعًا