ومراجعًا، لا ينفي النسخ، فإن النسخ قد يكون عن سبب معلوم) قلت: ويشهد قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} الآية. قال -رحمه الله-: (فشفاعته -عليه السلام- كانت سببًا للنسخ لا مبطلة لحقيقته، ولكن المنسوخ ما ذكرنا من حكم التبليغ الواجب عليه قبل النسخ وحكم الصلوات الخمسين فيه خاصة، وأما أمته فلم ينسخ عنهم حكم إذ لا يتصور نسخ الحكم قبل بلوغه إلى المأمور كما قدمنا) اهـ. قلت: خلاصة هذا أن النسخ في هذه القصّةِ خاص به - صلى الله عليه وسلم -، وأما في حق الأمة فلا يسمَّى نسخًا. قال -رحمه الله-: وهذا كله أحد الوجهين في الحديث. الوجه الثاني: أن يكون هذا خبرًا لا تعبدًا، وإذا كان خبرًا لم يدخله النسخ، ومعنى الخبر أنه -عليه السلام- أخبره ربه أن على أمته خمسين صلاة، ومعناه أنها خمسون في اللوح المحفوظ، وكذلك قال في الحديث: هي خمس وهي خمسون والحسنة بعشر أمثالها، فتأوله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أنها خمسون بالفعل، فلم يزل يراجع ربه حتى بين له أنها خمسون في الثواب لا في العمل) اهـ. قلت: وهذا الوجه عندي بعيد جدًا، وإني لأستغرب صدوره من هذا الإِمام الجليل رحمه الله تعالى. قال ابن حجر -رحمه الله- في شرح حديث أبي ذر أول كتاب الصلاة عند قوله "فوضع شطرها": (في رواية مالك بن صعصعة: فوضع عني عشرًا، ومثله لشريك، وفي رواية ثابت. فحطّ عني خمسًا. قال ابن المنير: ذكر الشطر أعمّ من كونه وقع في دفعة واحدة. قال: قلت: وكذا العشر، فكأنه وضع العشر دفعتين والشطر خمس دفعات، أو المراد بالشطر في حديث الباب: البعض، وقد حققت رواية ثابت أن التخفيف كان خمسًا خمسًا، وهي زيادة معتمدة يتعين حمل باقي الروايات عليها. قال: وأما قول الكرماني: الشطر هو النصف، ففي المراجعة الأولى وضع خمسًا وعشرين وفي الثانية ثلاثة عشر -يعني نصف الخمس والعشرين بجبر الكسر- وفي الثالثة سبعًا؛ كذا قال وليس في حديث الباب في المراجعة الثالثة ذكر وضع شيء، إلا أن يقال: حذف ذلك اختصارًا فيتجه، لكن باقي الروايات يأبى هذا الحمل، فالمعتمد ما تقدم) اهـ. ثم قال: (واستدل به على جواز النسخ في الإنشاءات ولو كانت مؤكدة، خلافًا لقوم فيما أكد، وعلى جواز النسخ قبل الفعل، قال ابن بطال وغيره: ألا ترى أنه -عز وجل- نسخ الخمسين بالخمس قبل أن تصلى، ثم تفضل