عليهم بأن أكمل لهم الثواب. وتعقّبه ابن المنير فقال: هذا ذكره طوائف من الأصوليين والشراح، وهو مشكل على من أثبت النسخ قبل الفعل كالأشاعرة أو منعه كالمعتزلة، لكونهم اتفقوا جميعًا على أن النسخ لا يتصور قبل البلاغ، وحديث الإسراء وقع فيه النسخ قبل البلاغ لكل أحد فممنوع، وإن أراد قبل البلاغ للأمة فمسلّم. لكن قد يقال: ليس هو بالنسبة إليهم نسخًا، لكن هو نسخ بالنسبة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه كلف بذلك قطعًا، ثم نسخ بعد أن بلغه وقبل أن يفعل، فالمسألة حقيقة التصوير في حقه - صلى الله عليه وسلم -) والله تعالى أعلم.
وقد تعرض بعض الشراح هنا لبيان أشياء من حكمة في هذا الحديث، ولاسيما العيني وابن أبي جمرة، وذلك شيء لا يعجبني التعرض له ما لم يكن بيان من الله ومن رسوله، وكذلك تعليل استحيائه - صلى الله عليه وسلم - من ربه وتعليل تخصيص المذكورين من الأنبياء، وكل ذلك عندي أن الإشتغال بالكلام فيه لا أصل له وليس فيه كبير فائدة، وكل ما كان من هذا النوع فإني أرى الإمساك عنه أولى، خشية القول بما لا علم به والله الموفق للصواب. وقوله:(وأجزي بالحسنة عشر أمثالها) أجزي بمعنى أثيب وأعطي وتقدم الكلام على الحسنة والسيئة.
وقوله:(عشر أمثالها) هذا على أقل ثوابها، وقد أخبر أنه يزيد من يشاء، ويضاعف لمن يشاء فيوفيهم أجورهم، ويزيدهم من فضله، وقال:{فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً}.
• الأحكام والفوائد
هذا الحديث تضمن معجزة عظيمة للرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا نوه الله -عز وجل- بهذه القصة فقال تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. . . .} الآية، وفيه كثير من الفوائد سنشير إلى ما تيسر منها بعون الله، وهو الموفق للصواب: أولًا: قوله: (بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان) تقدم أن هذه حالة نومه - صلى الله عليه وسلم -، إن أريد أن عينه نائمة وقلبه يقظان، وكذلك إن أريد المعنى الثاني: وهو أنه سِنة ولم يتمكن منه النوم، فعلى الوجهين: فيه دليل على جواز النوم في المسجد، وإذا كان ذلك للإستعانة على العبادة كان نومه عبادة، كما قال بعض الصحابة -رضي الله عنهم-: أحتسب نومتي كما أحتسب قومتي، وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله.