للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقتلُ غالبًا صبيًّا غيرَ مميزٍ أو مجنونًا فماتَ، وجبَ القصاصُ.

وأمَّا المميزُ فإن بينَ له حالَ الطَّعامِ كان كالبالغِ العاقلِ وحكم البالغ العاقل أنَّهُ إذا ضيَّفهُ بمسمومٍ يقتلُ غالبًا ولم يبينْ لَهُ حالَ الطَّعامِ أنَّه يجبُ عليهِ القصاصُ كما رجَّحَهُ الشافعيِّ رضي اللَّه عنه فِي "الأمِّ" (١) حيثُ قالَ: ولو كانَ الساقي للسمِّ الذِي أقيدَ من ساقيِهِ (٢) لم يكره المسقي، ولكنَّهُ جعلَهُ لَهُ فِي طعامٍ أو خاص لَهُ عسلًا أو شرابًا غيرهُ فأطعمَهُ إياهُ أو سقاهُ (٣) إياهُ غيرَ مكره عليه، ففيها قولانِ:

أحدُهما: عليهِ القودُ إذا لم يعلمه أنَّ فيه سمًّا، وكذلك لو قالَ: هذا دواءٌ فاشربْهُ، وهذا أشبههما.

والثاني: أن لا قودَ عليِه وهو آثمٌ لأنَّ الآخرُ شربَهُ. هذا نصُّه رضي اللَّه عنه.

وقد رجَّح من القولين الأوَّلَ، فهو مذهبُهُ خلافًا لما رجَّحهُ النوويُّ من ترجيحِ لزومِ الديةِ ومنعِ القصاصِ.

وإن دسَّ شخصٌ سُمًّا يقتلُ غالبًا فِي طعامِ شخصٍ فأكلَهُ جاهلًا فلا عقلَ ولا قودَ ولا كفَّارةَ على النصِّ، وإذا تركَ المجروحُ علاجَ جرحٍ مهلكٍ فماتَ منهُ وجبَ القصاصُ بلا خلافٍ.

ولو ألقَى إنسان إنسانًا فِي ماءٍ مغرقٍ فمكثَ الملقَى فيهِ مضطجعًا حتَّى ماتَ فلا شيءَ علَى مَنْ ألقاهُ؛ لأنَّهُ هوَ أهلَكَ نفسَهُ.

فإن كانَ الماءُ مغرقًا، ولا يمكنُ الخلاصُ منهُ إلَّا بالسباحةِ ولم يحسنْها الملقَى، أو كانَ مكتوفًا أو زَمِنًا، فذاك عما يوجبُ القصاصُ على مَن ألقَاهُ.


(١) كتاب "الأم" (٦/ ٤٢).
(٢) "من ساقيه": مكرر بالأصل.
(٣) "أو سقاه": مكرر بالأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>