للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالتوزيعُ على الأكثر على أرجحِ الوجهينِ؛ لأنَّ الأصل براءة ذمةِ الجاني، فلا يلتزم إلَّا اليقينَ، فعلى هذا يوزعُ على غيرِ الحروفِ المذكورة للعربيِّ، وقيل: توزعُ على ثمانيةَ عشَرَ حرفًا بإخراج الشفهية والحلقيةِ، ولو عجز عن بعضها خلقةً أو بآفةٍ سماوية كالأرتِّ والألثغ فدِيةٌ، وقيل: قسطُ الديةِ من جميع الحروف.

وإن عجز عن بعضها لجناية أجنبيٍّ فالأرجح أنَّه لا يُكملُ ديةً، ولو قطع نصفَ لسانِهِ فذهبتْ نصفُ أحرفِ كلامِهِ فنصفُ ديةٍ (١)، ولا يجبُ في الصوتِ لذاته دية قطعًا، خلافًا لما في "المنهاج" تبعًا لأصله؛ لأنَّ القصدَ الأعظمَ بالصوتِ إنما هو الكلامُ، وقد تقدَّم أنَّ فيه الديةَ، وأما مجرَّدُ الصوتِ فإنه إنما يقعُ بالحروفِ الحلقيةِ، والديةُ في مقابلةِ الحروفِ كلِّها بذهابِ الكلامِ، فإذا ذهب الصوتُ فالذاهبُ إنما هو الحرفُ الحلقيّ، وقد أُخذتِ الديةُ فيه، فلا سبيل إلى إيجابِ ديةٍ في الصوتِ بمفردِهِ، لدخولِهِ فيما وجب.

وفِي كلامِ الشافعيِّ -رضي اللَّه عنه- في "الأم" ما يشهدُ لذلكَ، حيث لم يجعلِ الديةَ إلَّا في حالةِ ذهابِ الكلامِ كلِّه، ولا توقفَ أنَّ الصوتَ لا منفعةَ فيه إلَّا الكلام، فإيجاب ديةٍ أخرى للصَّوتِ غيرُ صوابٍ.

ويجبُ في الذوق ديةٌ، وتدرك به الحلاوةُ، والحموضةُ، والمرارةُ والملوحةُ والعذوبةُ، وتوزَّعُ عليهنَّ، فإذا أبطل إدراكَ واحدٍ وجبَ خمسُ الديةِ ولا تجبُ الدِّيةُ في المضغِ على النصِّ (٢).


(١) روضة الطالبين (٩/ ٣٠٠، ٣٠١).
(٢) روضة الطالبين (٩/ ٣٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>