البغاةِ كتابٌ على قاضينا ولم يُعلمْ أنَّه ممن يستحلُّ دماءَ أهلِ العدلِ أم لا، ففِي قبولِه والعملِ به قولانِ حكاهُما ابنُ كَجٍّ، قال: واختيارُ الشافعيِّ منهما المنعُ، ومحلُّ قبولِ قضاء قاضيهم وكتابه في الفرقةِ التي خرجتْ بشوكةٍ، والتأويلِ وخلعتِ الإمامَ ونصبتْ إمامًا غيره -كما تقدَّم.
فأمَّا التي لم تخرجْ على هذا الوجهِ، فإنَّه لا قاضي لهم ينفُذُ حكمُه، ولا يحكَمُ بكتابِه، ولو أقام إمامُ أهلِ البغي حدًّا أو أخذَ زكاةً وجزيةً وخراجًا، وفرق سهم المرتزقة على جندهم صحَّ، فلو فعلَ ذلك آحاد رعيته الذي لم يجعل له ذلكَ أو الفرقة التي منعتِ الواجبَ عليها من غيرِ خروجٍ على الإمامِ لم يقعْ شيءٌ من هذا الموقعِ.
ومحل صحَّة أخذهم الزكاةَ ما إذا لم يتعجلوا منهم ذلك قبلَ الوجوبِ، أو تعجلُوا قبلَ الوجوبِ وجاء وقتُ الوجوبِ وشوكتُهم قائمةٌ على ذلك الموضعِ، فأمَّا إذا جاءَ وقتُ الوجوبِ وقد ظَهرَ أهلُ العدلِ عليهم وزالتْ شوكتُهم عن ذلكَ المكانِ، فإنَّه لا يقعُ ما أخذوهُ من المعجَّلِ الموقع، لأنَّ وقتَ الوجوبِ لم يكونوا أهلًا للأخذِ.
قال شيخُنا: ولم أرَ مَن تعرَّضَ لذلك. انتهى.
وما أتلفهُ باغٍ ممتنعٌ بشوكتِه على عادلٍ بتأويلٍ لا ضمانَ فيه في الأظهرِ، وما أتلفَهُ عادلٌ على باغٍ في غيرِ قتالٍ أو فيه بلا ضرورةٍ ضمن، وإلَّا فلا.
وكذا باغٍ بلا تأويلٍ سلف للعادلِ والمتأولِ بلا شوكةٍ يضمنُ، وعكسه ضامنٌ كالقطاع على المذهبِ الذي نصَّ عليه وقال به الجمهورُ.
ولا يقاتلُ البغاةُ حتَى يبعثَ إليهم أمينًا فطِنًا ناصحًا يسألهم ما ينقمونَ، فإن ذكروا مظلمةً أو شبهةٍ أزالهَا، فإن أصرُّوا نصحَهُم ووعظَهم وأمرَهم بالعودِ إلى