فإنْ أثر مسلمًا غيرَ مراقِ الدَّمِ شرعًا، ولو كانَ المضطَّرُّ مستأمنًا فكالذِّميِّ.
ولو كانَ صبيًّا من أهلِ الحربِ أو امرأةً منهم أو خُنثى أو مجنونًا، فالقياسُ كمَا قالَ شيخُنا أنَّه يلزمُهُ إطعامُهُم، فإنِ استولَى عليهم بحيثُ رُقُّوا لزمَهُ ذلكَ لهُمْ قطعًا.
ويلزمُهُ إطعامُ المرتدِّ المجنونِ، وحيثُ تعدَّى المالكُ بالمنعِ فللمضطرِّ قهرُهُ، وإن أتَى على نفسِهِ، وإنَّما يلزمُهُ بعوضٍ ناجزٍ إن حضر واحتملَ الحالُ التأخيرَ حتَّى يقعُ الاتفاقُ على العوضِ، فإنْ لمْ يحتملِ الحالُ التأخيرَ وجبَ على صاحبِ المالِ أَنْ يطعمَهُ على الفورِ، ولا يلزمُهُ العوضُ.
ثمَّ إنْ لم يقدر العوض لزمَ المضطرُّ قيمة ما أكَلَ في ذلكَ الزّمانِ والمكانِ، وفيهِ ما يقدم من قولنا، وغرم قيمته إلى آخره.
وإن قدره ولم يفردْ مَا أكلَهُ فالحكمُ كما لو لمْ يقدر.
وإن أفردَهُ فإنْ كانَ المقدَّرُ عن المثلِ أو دونَهُ صحَّ البيعُ، وللمضطرِّ ما فضل، وإن كانَ أكثرَ والتزمَهُ ففيما يلزمه أوجه: أقيسها -وهو الأصحُّ عند القاضي أبي الطيب-: المسمَّى، والثاني -وهو الأصحُّ عند الرويانيِّ-: ثمن المثل في ذلك المكانِ والزمانِ، وفيهِ ما تقدَّم، وهو اختيارُ صاحبِ "الحاوي" إن كانتِ الزِّيادَةُ لا تشقُّ على المضطرِّ ليسارِه لزمته، وإلَّا فلا.
وإن لم يكنْ لَهُ مالٌ ماضٍ لزمه التزامه في ذمَّتِهِ؛ سواء أكانَ لهُ مالٌ غائبٌ أم لا، ويلزمُ المالكُ في هذا الحالِ البيع بنسيئة، ففي حالة أن يكون له مال غائب ينبغي أن يكونَ الأجلُ ممتدًّا إلى وصولِهِ لبلدِ ماله بمقتضَى العادةِ.
وفي حالةِ مَا إذا لم يكنْ لَهُ مالٌ معيَّنٌ أن يكونَ المرادُ بالنسيئة مجرد التأخيرِ، والرِّضَا بالذمة.