المؤكَّد، وآخرُ كلامِ الرَّافعيِّ يقتضي قصره على الثاني، وأظهَرُ الأقوالِ أنَّه يقضي بعلمِهِ إلَّا في عقوبةِ اللَّهِ تعالى، ويستثنى ما علمه من جهةِ التواتُرِ الظَّاهِرِ، فإنَّه يقضي فيه بعلمِهِ على الطريقةِ المقطوعِ بها، وكذلكَ الجرحُ والتَّعديلُ فإنَّه يقضِي به على الطريقةِ المقطوعِ بِها.
وإذا ظَهَرَ للقاضِي من الخصمِ في مجلسِ الحُكم (١) ما يقتضي تعزيرًا عزَّرَهُ، وهذا من القضاءِ بالعلمِ، وليسَ كما لو أقرَّ؛ لأنَّ الإقرارَ مستند الحكمِ.
وإذا صَدَرَ منهُ ما يُوجبُ الحدَّ في مجلسِ الحُكم على رءوسِ الأشهادِ فإنَّهُ يُقيمُ عليه الحدَّ كما إذا ارتدَّ في مجلسِ الحُكمِ، فإنَّ القاضِي يحكُمُ عليهِ مستندًا لإصرارِهِ على الرِّدَّةِ بعد استتابتهِ بضربِ عنقِهِ.
وكذا لو شَرِبَ الخمرَ في مجلسِ الحُكمِ، أو زنا، وكذا إذا اعترَفَ على مَن عليه الحدُّ بالحدِّ ولم يرجعْ عَن إقرارِهِ، فإنَّ القاضِي يقضي فيه بعلمِهِ سواء اعترفَ بحضرةِ الناس أم اعترفَ سرًّا.
وإذا علمَ القاضِي من مكلَّفٍ أنَّه أسلمَ وظهرَ منهُ الرِّدَّةُ فقد أفتى شيخُنا بأنَّ القاضِي يقضِي بعلمِهِ بالإسلامِ، فإنْ أسلَمَ الرجلُ فذاكَ، ويؤمرُ بقضاءِ ما فاتَ من الصلواتِ المفروضاتِ في زمنِ الرِّدَّةِ المذكورةِ، ويفرَّقُ بينَهُ وبينَ زوجَتِهِ التي لم يدخُلْ بِهَا، وكذا التي دخلَ بها إن انقضَتْ عدَّتُها في زمانِ ردَّتِهِ، ولو ماتَ له قريبٌ أو عتيقٌ أو زوجةٌ فلا ميراثَ لَهُ من واحدٍ من هؤلاءِ.
وإن لم يسلمْ وأصرَّ على الكُفرِ فيضربُ عنقُهُ بقضاءِ القاضِي بعلمه بإسلامِهِ، وذلك يقتضي بإظهارِ الكُفرِ أنَّه مرتدٌّ، فيقتلُ بكفرِهِ مترتبًا على حُكمِ القاضِي بعلمِهِ بإسلامِهِ.