للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وحكمُ القاضِي الإنشاء، كفسخِ النِّكاحِ، بطريقٍ من الطُّرقِ المسوغةِ، كذلكَ إنْ ترتَّبَ على أصلٍ صادقٍ ولم يكنْ في محلِّ اختلافِ المجتهدينَ فإنَّه ينفذُ ظاهرًا وباطنًا قطعًا، وإن كانَ هذا الإنشاء المترتبُ على أصلٍ صادقٍ في محلِّ اختلافِ المجتهدينَ نفذَ ظاهرًا، وكذا باطنًا على الأصحِّ، وإن ترتَّبَ على أصلٍ كاذبٍ لم ينفذ باطنًا. وإن لم يكنْ حُكمُ القاضي إنشاء، وإنما هو تنفيذٌ لما قامتْ بهِ الحُجَّةُ وكانتِ الحُجَّةُ موافقة لما في الباطنِ نفذَ ظاهرًا وباطنًا. وإن لم يكنْ موافقةً لما في الباطِنِ فإنَّه ينفذُ ظاهرًا لا باطنًا (١).

ولا يقضِي بما يعلمُ خلافَهُ، لكنْ لو أقرَّ الخصمُ عندَ القاضِي بدينٍ قد علمَ القاضِي أنَّ المقرَّ له أبرَأَهُ وكانَ ذلكَ الإبراءُ بحضورِ المقرِّ، وذكَّرَهُ القاضِي بهِ أو بغيرِ حضورِهِ وعَرَّفهُ القاضِي بالإبراءِ، فقالَ المقرُّ: أعرفُ ما صدرَ منهُ من الإبراءِ، ومع ذلكَ فدينُهُ باقٍ عليَّ، فإنَّ القاضِي يقضِي على المقرِّ بما أقرَّ بِه. وإنْ كانَ على خلافِ ما علِمَهُ القاضِي؛ لأنَّ الخصمَ قد أقرَّ بما يرفعُ علمَ القاضِي (٢).

ولو رأى الحاكمُ شخصًا يزنِي، وعلم زناهُ، وقذَفَهُ شخصٌ، وثبتَ عندَ القاضِي أنَّه قذفَهُ القذفَ الموجبَ للحدِّ وطلبَ المقذوفُ من القاضِي أن يحدَّ القاذِفَ. قال شيخُنا: فالذي أجبتُ فيها أنَّ الحاكمَ يُجيبُهُ لذلكَ؛ لأنَّ القاذِفَ إذا لم يأتِ بالشهداء كاذبٌ في حكمِ اللَّهِ تعالى، فيمامُ عليه الحدُّ، وحدودُ اللَّهِ لا يقضي فيها بعلمِهِ، فيقضي فيها بخلافِ علمِهِ.

كذا استثني هاتينِ الصُّورتينِ شيخُنا، وقال: إنَّه لم يرَ مَن تعَرَّضَ لهُما.

وينبغي أَنْ يكونَ المرادُ هُنا بالعلمِ ما هو الأعمُّ من المستيقَنِ والظَّنِّ


(١) "أسنى المطالب" (٤/ ٣٠٤)، و"الغرر البهية" (٥/ ٢٤١).
(٢) "مغني المحتاج" (٦/ ٢٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>