للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجه العموم والحجاز على وجه الخصوص، فمن الذي يقارب محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج وأبا داود والترمذي وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة السنة، ولا يوجد في الحجاز من يقارب هؤلاء إلَّا مالك بن أنس - رحمه الله -. وكان من أشهر تلاميذ ابن مسعود علقمة وإبراهيم والنخعي - رحمهما الله -. وكان من دوافع انتشار الرأي وجود الخلافة في بغداد التي نتج عنها كثرة الحوادث التي في حاجة إلى أحكام متجددة باستمرار، وظهور طريقتين للاستنباط بينهما تغاير طفيف لا غبار عليه، لأن طبيعة الاجتهاد يؤدي لذلك وقد حدث بين الصحابة ما يماثل

ذلك، كما مثلنا له باختلافهم في فهم لفظ الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند أمرهم بالصلاة

في بني قريظة.

ولكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل احتدم النزاع بين الفريقين، فأسرف كل فريق في الطعن على الآخر. فعاب أهل الرأي على أهل الحديث الجمود عند ظواهر النصوص وعدم التدبر وإشغال الفكر في الاستنباط.

وكان أهل الحديث (١) يعيبون على أهل الرأي بأنهم يأخذون في دينهم بالظن ويحكمون العقل في الدين، ولكن كما يبدو أن كفة أهل الرأي كانت راجحة وطعنهم على أهل الحديث كان شديداً لأن السلطان كان معهم، ولأنهم أقدر على الحجاج واللجاج.

قال الإِمام الرازي: (أما أصحاب الحديث فكانوا حافظين لأخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إلا أنهم كانوا عاجزين عن النظر والجدل وكلما أورد عليهم أحد من أصحاب الرسول سؤالًا أو إشكالًا أُسقط في أيديهم عاجزين) (٢). وظهر متعصبون لكلا المدرستين واتسع الخلاف وزادت الشقة واحتدم النزاع وأخذ كل فريق ينتصر لمذهبه ولطريقة شيخه.


(١) تاريخ التشريع الإسلامي للخضري ص ١٤٦.
(٢) مناقب الإِمام الشافعي لفخر الدين الرازي ص ٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>