للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٢ - الشافعي واضع علم الأصول]

قد بيّنا فيما تقدم أنه لم يكن هناك قواعد مدونة في هذا الفن، لا في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عهد صحابته رضوان الله عليهم أجمعين، ولا عهد التابعين.

وقد بينا أن الحاجة أصبحت ماسةً لوضع قواعد لهذا الفن بعد أن تأسست المدارس الفقهية في العراق والحجاز، واحتدم النزاع بينهما، وكادت أن تدب الفرقة بين الصفوف والشقاق بين الفريقين فاستدرك هذا الوضع عالم الحديث في المشرق عبد الرحمن بن مهدي (١) المتوفى سنة ١٩٨ هـ، لأنه

عاش تلك الفرقة واكتوى بنارها وأدرك أنه لا بد من وجود قواعد مدونة لتكون مرجعاً لفض النزاعات، ولتكون قاعدة للنقاش والمناظرات، ولم يكن هذا بالأمر الهين فابتكار نظام وقواعد ثابتة وأساس محدد في غاية الأهمية والخطورة، ومن الذي ستكون عنده المؤهلات للتصدي لهذا الأمر العظيم.

فهذا لا يتسنى إلا لمن اطلع اطلاعاً واسعاً إن لم يكن تاماً على مصادر التشريع الإِسلامي، وملماً بشتى المذاهب بالحجاز والمشرق، وأن يكون حجة في اللغة العربية، ومطبوعاً على الذكاء الخارق والقريحة الوقّادة الذي بهما يصل لأغوار الأشياء ومقاصدها وغاياتها. وأن يكون متسربلًا بلباس التقوى والإِخلاص في النية والعمل التي بهما تذلل الصعاب. قال الشافعي رضي الله عنه:

شكوت إلى وكيعٍ سوء حفظ ... فأرشدني إلى ترك المعاصي

وقال: إن علم الله نورٌ ... ونور الله لا يهدى لعاصي


(١) تاريخ بغداد للخطيب ٢/ ٦٤، مناقب الشافعي للفخر الرازي ص ٥٧ المجموع للإمام النووي
١/ ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>