للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يحوز على هذه الصفات من البشر إلا النادر. وأدرك عبد الرحمن بن مهدي - رحمه الله - أنه ليس لها إلَّا الشافعي عالم قريش الذي كان جديراً بها وأهلًا لها.

فكان - رحمه الله - حجةً في اللغة وملماً بالكتاب والسنة، وعالماً بفقه أهل الحجاز، حيث حفظ الموطأ على الإِمام مالك في المدينة، وكان عالماً بفقه أهل العراق، حيث تتلمذ على محمد بن الحسن الشيباني صاحب الإِمام أبي حنيفة. فجمع بين أسس المدرستين وأما فطنته وذكاؤه فيكفينا فيهما ما

روي أنه كان إذا أراد قراءة كتاب وضع يده على الصفحة المقابلة لئلا يلمحها نظره فيحفظ الصفحتين معاً فيتشوش حفظه وكفاه أنه استنبط من حديث: (يا نقير ماذا فعل النغير سبعين مسألة وهو مستلق على فراشه). وذكر مثل ذلك يطول.

ولقد كان اختيار الإِمام عبد الرحمن بن مهدي (١) موفقاً. فأرسل رسالةً للإِمام الشافعي يسأله فيها وضع قانون كلي يضبط مناهج الاستنباط، ووضع كتاب جامع يبين مراتب السنة وكيفية الاحتجاج بها، فصادف هذا الطلب رغبةً في نفس الإِمام الشافعي. واستحثه على إجابة طلب عبد الرحمن بن

مهدي المحدث علي بن المديني حيث قال: قلت لمحمد بن إدريس الشافعي: أجب عبد الرحمن بن مهدي عن كتابه، فقد كتب إليك يسألك وهو متشوق إلى جوابك. قال: فأجابه الشافعي وهو كتاب الرسالة ووضعها الإِمام الشافعي وهو في مكة على الراجح، وأرسلها له مع الحارث (٢) بن سريج النقال الخوارزمي المتوفى سنة ٢٣٦ هـ. وأقبل الناس على الرسالة ودرسوها ووجدوا فيها بغيتهم وضالتهم المنشودة، وهي تلك القواعد الأصولية التي كان يعييهم البحث قبل العثور عليها. وخرج أهل الحديث بها من


(١) فقد قال بعدما قرأها (ما ظننت أن الله خلق مثل هذا الرجل) يعني من العلماء كما نقله اليافعي
في مرآة الجنان ٢/ ١٨.
(٢) هامش آداب الشافعي لأبي حاتم الرازي ص ١٠٢، المعرفة للحاكم النيسابوري أبي عبد الله ص ٢٢٩، وطبقات الشافعية للسبكي طبعة أولى ١/ ٢٢٩، ومذكرات لشيخنا الدكتور عبد الغني عبد الخالق لم تطبع.

<<  <  ج: ص:  >  >>