جمودهم وساعدتهم على نصرة السنة. وأقبل عليها أيضاً أهل الرأي واهتموا بها، وأصبحوا يشعرون بوزن أهل الحديث، لأنه أصبح لهم قواعد وأسس يناظرون عليها. وكان في هذه الرسالة ما تمس حاجة أهل الرأي إليه مثل متى يقبل خبر الواحد ومتى يرد؟ ومتى يحتج بالقياس ومتى يرد؟ وما شروط صحة القياس؟.
وعلى العموم أصبحت رسالة الشافعي مناراً يهتدي به السالكون سبل الأحكام الشرعية بمأمن من الزلل والخروج عن الجادة، وبها تحول الصراع الذي كان بين الفريقين إلى مناظراتٍ علميةٍ هادفة لها آداب وضوابط يحترمها معظمهم، فتقاربت بها وجهات النظر وضاقت شقة الخلاف والنزاع، وتكون
مذهب وسط يعتمد على المنقول ويستخدم العقل في الاستنباط وفعلاً ساعدت على تنمية الثروة الفقهية.
ولهذا الكتاب وما تبعه من كتب مفيدة سنذكرها بعد قليل استحق الشافعي أن يسمى بناصر السنة لكثرة دفاعه عنها.
قال الرازي في كتابه مناقب الإِمام الشافعي: "أن أبا زرعة الرازي نقل عن سعيد بن عمر البرادعي أنه قال: وردت الري فدخلت على أبي زرعة فقلت: يا أبا زرعة سمعت حميد بن الربيع يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: (ما علمت أحداً أعظم منةً على الإسلام في زمن الشافعي من الشافعي، فقال أبو زرعة: قد صدق أحمد ولا أحداً أدرأ عن سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الشافعي، ولا أحداً أكشف لسوءات القوم مثل ما كشف الشافعي)(١).
وقال أبو حاتم الرازي:(لولا الشافعي لكان أصحاب الحديث في عمى). وقال الإمام أحمد: لولا الشافعي ما عرفنا فقه الحديث. وقال:(كانت أقضيتنا في أيدي أصحاب أبي حنيفة ما تنزع حتى رأينا الشافعي فكان أفقه الناس في كتاب الله وسنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -).