قال آية الله السيد حسن الصدر:(اعلم أن أول من أسس أصول الفقه وفتح بابه وفتق مسائله الإِمام أبو جعفر محمد الباقر، ثم من بعده ابنه الإِمام وقد أمليا على أصحابهما قواعده وجمعوا من ذلك مسائل رتبها المتأخرون على ترتيب المصنفين برواياتٍ مسندةٍ إليهما متصلة الإِسناد)(١).
وبعض الحنفية ادعت أيضاً أن واضع علم الأصول الإِمام قاضي القضاة أبو يوسف، ثم تابعه محمد بن الحسن - رحمهما الله -.
ونقول: إن دعوى الإِمامية أن الإمام محمد الباقر - رحمه الله - هو واضع علم الأصول، ودعوى الحنفية بأن أبا يوسف ومحمد بن الحسن قد سبقا الشافعي في وضع قواعد هذا الفن، إنما ما حدث منهم هو التكلم في قواعد لمسائل فقهية عارضة أو بينوا منهجهم في استنباط حكم من الأحكام،
أو أوضحوا طريقة استدلالهم. وكل هذا لا يعارض دعوى كون الإِمام الشافعي - رحمه الله - هو أول من صنّف مصنفاً شاملًا لمعظم أبواب هذا الفن الذي أتم بناءه الأصوليون من بعده، فلا تعارض بين الدعوتين.
وقد أثبت الفقهاء والأصوليون والمؤرخون سبق الوضع للإِمام الشافعي كما تقدم في الكلام على سبب وضع "الرسالة"، وسنذكر أيضاً بعضاً من شهادات العلماء بذلك.
قال جمال الدين الأسنوي المتوفى سنة ٧٧٢ هـ - رحمه الله - في كتابه التمهيد: (إن الركن الأعظم والأمر الأهم في الاجتهاد إنما هو علم أصول الفقه. وكان إمامنا الشافعي - رحمه الله - هو المبتكر لهذا العلم بلا نزاع وأول من صنف فيه بالإِجماع. وتصنيفه المذكور فيه موجود بحمد الله تعالى، وهو
الكتاب الجليل المشهور المسموع عليه المتصل إسناده الصحيح إلى زماننا المعروف بالرسالة، الذي أرسل الإِمام عبد الرحمن بن مهدي من خراسان إلى الشافعي بمصر فصنفه له، وتنافس في تحصيله علماء عصره، على أنه
(١) الشيعة وفنون الإسلام ص ٥٦. وعقيدة أهل الشيعة في الإمام الصادق ص ٢٩٢.