طاحنة، ونقل منه ما نقل لخزائن مكتبات المستشرقين إبان غفوة الأُمة الإِسلامية واستهانتها بتراثها الضخم فملأت منه خزائن مكتبات أوربا. ومع هذا فقد بقي قسم ضخم ينتظر مَن يمدّ يده إليه ليُخرجه من غياهب سجنه، فيعيش عضواً فعّالًا في هذا المجتمع الإسلامي يؤدي دوره المطلوب منه.
وإخراجٍ الكتب المخطوطة من المكتبات ينبغي أن يكون في ثوبٍ جذاب. خالياً مما يشوبه من التصحيف والتحريف الذي حدث فيها على أيدي النسّاخ. نقياً من الأخطاء النحوية التي تكدّر الصفاء، منسقاً منظماً بعناوين بارزة، وفهارس تنبئ عما يحتويه الكتاب فيوفر الوقت على الناظر
فيه، ويسهّل الوصول إلى المراد. ولا سبيل لذلك إلا بتحقيق الكتاب قبل نشره بجمع جميع نسخه ومقابلتها، وتحقيق مادته العلمية تحقيقاً دقيقاً.
وكتاب التحصيل كسائر الكتب المخطوطة كان في أمسّ الحاجة لمن يميط عنه اللثام، ويزيل عنه النقاب فيُظهره وضّاءً في ثوبٍ جذاب ظاهر العناوين، بارز الفقرات خالٍ من التصحيف والتحريف، تحيط به فهارس ترشد الناظر فيه لما يريده في يُسرٍ وسهولة، وتحفّ به أبحاث وتعليقات تخبر مَن رآه عن قيمته العلمية، وتعرفه بمصنفه وتظهر طول باعه ورسوخ قدمه في هذا الفن وسائر الفنون، لأن معرفة شخصية المؤلف تبعث في النفوس الاطمئنان والثقة فيما تجده في الكتاب.
فنسخ كتاب التحصيل العشر لم تخلُ كسائر نسخ المخطوطات - من اختلافات في ألفاظ كثيرة كما يظهر ذلك للناظر في هامش الجزء التحقيقي واضحاً جليّاً. وبعض هذه الألفاظ يخلّ بالمعنى إخلالاً بيِّناً، بل قد يؤدي إلى عكس المعنى المراد، وقد وجدتُ أن إحدى النسخ وهي النسخة التي رمزت لها في التحقيق "ب" قد حدث فيها تقديم وتأخير في ترتيب صفحاتها عند تجليدها وبعد كتابتها ولا يمكن إصلاح هذا الخلل إلا بمقابلتها بالنسخ الأُخرى. ولم يقف الأمر عند هذا بل وجدت سطوراً ساقطة بالكلية، وأحياناً كلماتٍ لا يمكن استدارك كل ذلك إلَّا بتحقيق الكتاب ومقابلة نسخه، ولو خرجت كل نسخةٍ على ما هي عليه لظهرت أخطاء علمية ولغوية يصعب تلافيها.