ومن ذلك ما ورد في التحصيل (١) تبعاً للمحصول ومعظم كتب الأصول كمختصر ابن الحاجب والأحكام لسيف الدين الآمدي من أن الإِمام الشافعي - رحمه الله - يقول بأن العبرة بخصوص السبب وليس بعموم اللفظ، وسبب ما وقع فيه الأُصوليون من الخطأ في نسبة هذا القول للإِمام الشافعي أن إمام الحرمين في البرهان قال:(إنه الذي صح عندي من مذهب الشافعي). ثم نقله عنه الإِمام الرازي في المحصول وغيره من علماء الأُصول.
والصحيح أن الإِمام الشافعي - رحمه الله - قد نصّ على أن السبب لا أثر له، فقال في الأُم في باب ما يقع به الطلاق ما نصه:(وما يصنع السبب شيئاً إنما يصنعه الألفاظ، لأن السبب قد يكون ويحدث الكلام على غير السبب. فإذا لم يصنع السبب بنفسه شيئاً لم يصنعه لما بعده، ولم يمنع ما بعده أن يصنع ما له حكم)، وهذا يدفع ما نسبه إمام الحرمين للإِمام الشافعي.
والِإمام فخر الدين الرازي - رحمه الله - قد كشف عن عدم صحة هذه النسبة للإِمام الشافعي في كتابه مناقب الشافعي، حيث قال:(إنه التبس على ناقل هذا القول عن الشافعي، وذلك لأن الإِمام الشافعي - رحمه الله - يقول: إن الأَمة تصير فراشاً بالوطء حتى إذا أتت بولد يمكن أن يكون من الوطء لحقه سواءً اعترف به أم لا لقصة عبد بن زمعة لما اختصم هو وسعد بن أبي وقاص في المولود. فقال سعد: هو ابن أخي عهد إليَّ أنه منه. وقال عبد بن زمعة هو أخي، ولد على فراش أبي من وليدته فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -، الولد للفراش وللعاهر الحجر، وذهب أبو حنيفة إلى أن الأَمة لا تصير فراشاً بالوطء، ولا يلحقه الولد إلَّا إذا اعترف به، وحمل الحديث المتقدم على الزوجة وأخرج
الأمة من عمومه. فقال الشافعي: إنَّ هذا قد ورد على سبب خاص وهي الأمة لا الزوجة، قال الإِمام. فخر الدين الرازي فتوهم الواقف على هذا الكلام أن الشافعي يقول: إنَّ العبرةَ بخصوص السبب ومراده أن خصوص السبب لا يجوز إخراجه عن العموم بالإِجماع، والأمة هي السبب في ورود العموم فلا يجوز إخراجها).
(١) انظر القسم التحقيقي من هذا الكتاب ص ١/ ٤٠٢، نهاية السول طبع صبيح ٢/ ١٣٢.