وهذه المدرسة- مدرسة المتكلمين- كانت هي المسيطرة في القرن السابع الهجري، حيث إن المصنفات على هذه الطريقة كانت لا تعد ولا تحصى، وكان القاضي سراج الدين الأرموي- رحمه الله- ممن أدلى بدلوه مع سائر الدلاء، ولكنه بلغ من البئر غوره، ووصل لما لم يصله غيره، لأن الميدان ميدانه فقد بلغ الأرموي- رحمه الله- في العلوم العقلية مبلغاً فاق أهل زمانه، لأنه ورد النبع الصافي وأخذه من علامة ذلك الزمان كمال الدين بن يونس وصنف فيه الكتب التي لا تزال المورد العذب والمنبع الصافي، فما إن أراد طاش كبري زاده في كتابه مفتاح السعادة أن يدخل في مصنفات علم المنطق والحكمة والجدل، حتى بدأ بمصنفات سراج الدين الأرموي. وقد كان لعلمه الغزير وحذقه بالفنون العقلية أثر بالغ على كتابه التحصيل، فظهر التنظيم المنقطع النظير، والبحث الدقيق، وإقامة الأدلة العقلية، ونقاش أدلة الخصوم بما يظهر عوارها وزيفها، ولا يكون ذلك إلاَّ لمن له القدح المعلى في الإحاطة بهذا الفن وإدراك عويصات مسائله.
فالقاضي الأرموي- رحمه الله- هو ابن هذه المدرسة، وما إن بلغ مبلغ الرجال، حتى أصبح شيخها ورئيسها الذي تربع على عرشها بحق. وأما انغمار ذكره في كتب التراجم العربية فله أسباب ومبررات، ولعل من أهمها وأعظمها، أنه عاش فترة نضوج علمه وكمال شخصيته في بلاد الروم في فترة تمزقت فيها الأمة الإسلامية إلى دويلات بينها تقاطِع وتدابر. زد على ذلك أنه عاش هذه الفترة بين جماعة يختلفون عنه مذهباً وجنساً، ومع هذا سطرت الصفحات المتلألئة في مزاياه وصفاته الحميدة حتى من أقرانه الذين يخالفهم مسلكاً ومنهجاً في الكتب الفارسية والتركية ككتاب مناقب العارفين وغيره.
وينبغي أن نختم ذكر هذه المدرسة بذكر بعض مميزاتها:
١ - أن القواعد الأصولية في هذه الطريقة تدرس دراسة دقيقة عميقة بقصد إثباتها بأدلة عقلية وبراهين قاطعة، بغض النظر عن الفروع الفقهية المذهبية التي تتعلق بهذه القواعد. وذكر الفروع الفقهية فيها على سبيل التمثيل لا لبناء القواعد.