معرفة ذلك يؤنس القلب ويطمئن النفس، فيعرف المنبع الذي نهل منه والمصدر الذي تغذى عليه، فتزداد الثقة بعلمه.
ولكن لو لم يكن له شيخ إلا كمال الدين موسى بن أبي الفضل يونس بن محمد بن منعة- أبا الفتح الموصلي- لكفى ذلك دافعاً للثقة بعلم الأرموي والاعتراف بمنزلته، لأن العبرة ليست بالعدد والكثرة، ولكن العبرة بإتقان العلوم والإِلمام بها. فكم من عالم احتوى قلبه علم مئات العلماء، وأتقن من الفنون ما يعجز عنه العشرات وقديماً قال الشاعر:
فكم رجل يعد بألف رجلٍ ... وكم رجلٍ يمر بلا عداد
وكمال الدين بن يونس (كما سيظهر لك من ترجمته التي أنقلها من مرجع واحد فقط، لأنني لو ذهبت أتقصى ترجمته في شتى الكتب لاتسع الأمر، ولأصبح تطويلًا قد يمجه الناظر مع ما فيه من الأخبار الشيقة) موسوعة علمية وبحر زاخر لشتى الفنون والعلوم العقلية والنقلية، وكان حظه من كل علم أعظم من حظ أربابه، حتى سعى له عظماء العلماء يلتمسون بصيصاً من نوره وجذوة من قبسه، وسوف لا أتكلف في نسبة تلمذة الأرموي لغير كمال الدين بن يونس، وأتشبث بخيوط العنكبوت حتى أصله بأناس لم يقم الدليل القاطع على وصله بهم، وأعني بذلك أني وجدت عباراتٍ في بعض
الكتب تدل على أنه تتلمذ على فخر الدين الرازي المتوفى سنة ٦٠٦ هـ، وعدلت عن ذلك، لضعف هذه النسبة ولاحتمال الوهم أو التجوز في النسبة.