للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

احتج بعض المثبتين: بإجماع الأمة. وبأن نبوته عليه السلام لا تصح إلا مع النسخ وقد صحت. وبأنه جاء في التوراة أنه تعالى قال لنوح عند خروجه من الفلك: (إني قد جعلت كل دابةٍ مأكلاً لك ولذريتك وأطَّلقتُ ذلك لكم كنبات العشب ما خلا الدم فلا تأكلوه) ثم حرم كثيراً من الحيوان على موسى وبني إسرائيل. وكان آدم يزوج الأختَ من الأخ، ثم حرمه الله تعالى على موسى.

والأول ضعيف، إذ لا إجماع مع الخلاف، وكذلك الثاني لجواز تأقيت الشريعة المتقدمة إلى وقت ورود المتأخرة، وذلك لا يكون نسخاً، كما أن إباحة الإفطار بالليل لا يكون نسخاً لإيجاب الصوم إلى الليل، وهذا ما عوَّل عليه من أنكر النسخ من المسلمين إذ قال: ثبت في القرآن أن موسى وعيسى بشرا بشرع محمدٍ عليه السلام، وأوجبا الرجوع إليه عند ظهوره وكذا يقول

في الإلزامين.

والمعتمد قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (١). ووجه الاستدلال: أن صحة التمسك بالقرآن إن توقفت على صحة النسخ وقد صح لصحة نبوته عليه السلام فيصح النسخ، وإن لم يتوقف تمسكنا بالآية المذكورة.

ولقائلٍ أن يقول (٢): ملزومية الشيء لغيره لا تقتضي وقوعه ولا صحة وقوعه.

احتج منكروه عقلاً: بأن الفعل إن كان حسناً قبح النهي عنه، وإن كان قبيحاً قبح الأمر به.


(١) [البقرة: ١٠٦].
(٢) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي على احتجاج الإمام الرازي بالآية. أن الآية لا دليل فيها، وذلك لأنها شرطية. وصدقها لا يتوقف على صدق الطرفين لجواز اللزوم بين المحالين، وذلك بأن يكون الشرط والجزاء محالين. ثم رد الأسنوي هذا الاعتراض بأنه قد يقال: إن سبب نزول الآية يدل على الوقوع، فإن الزمخشري قد نقل في كشافه، أن الكفار طعنوا فقالوا: إن محمداً يأمر بالشيء ثم ينهى عنه، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
(انظر نهاية السول ٢/ ١٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>