للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لنا: أن كلَّ واحدٍ منا يجزم بوجود البلدان والأشخاص الغائبة كجزمه بوجود المشاهدات.

احتجوا (١): بأن جزمنا بوجود جالينوس (٢) ليس كجزمنا بأن الواحد نصف الإثنين فدل على احتمال نقيضه المانع من اليقين، وليس أقوى من جزمنا بأن زيداً الذي رأيته الآن هو الذي رأيته بالأمس، وأنه ليس بيقيني لاحتمال وجود مثله إما للفاعل على المختار أو للشكل الغريب.

فإن قلتَ البرهان يمنع هذا الاحتمال لافضائه إلى الشَّك في المشاهدات ووجود التلبيس من الله تعالى. قلتُ المشاهَد هو زيد لا كونه هو المرئي بالأمس. ولو كان الجزم بناءً على هذا البرهان لما حصل لمن لا يعرفه.

والجواب: أن التشكيل في الضروريات لا يستحق الجواب.

ولقائل أن يقول (٣): هذا ليس بجواب بل جواب الأول أن اليقينين قد يتفاوتان.

وجواب الثَّاني: أن ذلك الاحتمال يقيِنِي الارتفاع.


(١) أي المانعين من كون خبر التواتر يفيد العلم.
(٢) جالينوس: طبيب يوناني، ولد في مدينة برهاموم في آسية الصغرى حوالي عام ١٣٠ قبل الميلاد، وهو أشهر أطباء العصور القديمة ما عدا بقراط. عرف ببراعته في علمي التشريح ووظائف الأعضاء تنسب له حوالي خمس مائة رسالة في الطب. عاصر نيرون قيصر السادس من القياصرة الذين حكموا رومية. وبرع أيضاً في الفلسفة ترجمت له كتب للعربية منها التشريح، العلل، الأعراض، النبض، حركات الصدر والرئة، تدبير الأصحاء، الأورام، الأدوية المفردة، تشريح الرحم، الترياق، الطَّبيب الفاضل. انظر القاموس الإسلامي لأحمد عطية الله طبع النهضة المصرية سنة ١٣٨٣، ١/ ٥٥٨.
(٣) خلاف؛ هذا الإعتراض من القاضي الأرموي - رحمه الله - أن جواب الإمام غير مرضي وهو أن التشكيك في الضروريات لا يستحق الجواب. وينبغي أن يكون الجواب بعدم التسليم أنَّه يمتنع التفاوت بين اليقينيات بل يجوز التفاوت بينها كيف لا؟ والحال أنَّه يحدث التفاوت في البديهيات بسبب تصور جلاء أطراف وحقائق بديهية من أخرى، وكذلك بعدم التسليم أنَّه يحتمل ما ذكروا من وجود مثله لامتناع قلب الحقائق.

<<  <  ج: ص:  >  >>