للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يأتوا بمثله، وفي المرة الثَّانية أن يأتوا بعشر سورٍ، وفي المرة الثالثة أن يأتوا بسورةٍ من مثله، ولكن من أين لكلام البشر أن يضاهي كلام الله تعالى أو يدانيه. واعترف صناديد قريش في أنفسهم بأن القرآن معجزة، وإن ظلوا في ضلالهم يعمهون.

وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو المرجع في الأحكام، والقاضي في الخصومات، فينتظر الوحي فينزل الوحيِ بالقول الفصل، والصحابة رضوان الله عليهم إذا بلغهم ذلك ما عليهم، إلَّا أن يقولوا سمعنا وأطعنا، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقضي في بعض الأمور بدون انتظارٍ للوحي. فإذا حدث أن قضى في أمرٍ بخلافِ الأولى، نزل الوحي يسدده لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يُقَرُّ على الخطأ. وَذلك كما حدث في قصة أسارى بدرٍ، وكما حدث في إعراضه عن ابن أم مكتوم رضي الله عنه قال تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} (١) وقال تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} (٢).

وقد ساعد على تطبيق الأحكام وفهم دقائقها أنها كانت تنزل منجمةً حسب الحوادث، وما على الصَّحَابَة رضوان الله عليهم إلَّا أن يُلحقوا بها كل ما ضارعها من الحوادث.

وكانت الصَّحَابَة في عهد رسول الله-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاتساع الدولة الإِسلامية يجتهدون فيما يعترض لهم من حوادث، لعدم تمكنهم من مراجعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبعده عنهم، وقد سنّ ذلك - صلى الله عليه وسلم - وعلمهم إياه بفعله وورد في ذلك من


= لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: ٨٨].
المرحلة الثَّانية بقوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [هود: ١٣].
المرحلة الثالثة بقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: ٢٣].
(١) [الأنفال: ٦٧].
(٢) [عبس: ١ - ١١].

<<  <  ج: ص:  >  >>