للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السور، وقد وقعت آيات مدنية في سور مكية، كما وقعت آيات مكية في سور مدنية، وذلك قليل، مختلف في أكثره.

[[خصائص السور المكية والمدنية]]

واعلم أنّ السور المكية نزل أكثرها في إثبات العقائد والردّ على المشركين، وفي قصص الأنبياء. وأنّ السور المدنية نزل أكثرها في الأحكام الشرعية، وفي الردّ على اليهود والنصارى، وذكر المنافقين، والفتوى في مسائل، وذكر غزوات النبي صلّى الله عليه وسلّم. وحيث ما ورد:

يا أيها الذين آمنوا فهو مدني، وأما: يا أيها الناس، فقد وقع في المكيّ والمدنيّ.

الباب الثالث: في المعاني والعلوم التي تضمنها القرآن. ولنتكلم في ذلك على الجملة والتفصيل. أما الجملة، فاعلم أنّ المقصود بالقرآن دعوة الخلق إلى عبادة الله وإلى الدخول في دينه، ثم إنّ هذا المقصد يقتضي أمرين، لا بد منها، وإليهما ترجع معاني القرآن كله: أحدهما بيان العبادة التي دعي الخلق إليها، والأخرى ذكر بواعث تبعثهم على الدخول فيها وتردّدهم إليها، فأما العبادة فتنقسم إلى نوعين، وهما أصول العقائد وأحكام الأعمال.

وأما البواعث عليها فأمران وهما: الترغيب والترهيب، وأما على التفصيل فاعلم أنّ معاني القرآن سبعة: هي علم الربوبية، والنبوة، والمعاد، والأحكام، والوعد، والوعيد والقصص. فأما علم الربوبية: فمنه إثبات وجود الباري جل جلاله، والاستدلال عليه بمخلوقاته، فكل ما جاء في القرآن من التنبيه على المخلوقات، والاعتبار في خلقة الأرض والسموات، والحيوان والنبات. والريح والأمطار، والشمس والقمر، والليل والنهار، وغير ذلك من الموجودات، فهو دليل على خالقه، ومنه إثبات الوحدانية، والردّ على المشركين، والتعريف بصفات الله: من الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر، وغير ذلك من أسمائه وصفاته، والتنزيه عما لا يليق به.

وأما النبوّة: فإثبات نبوّة الأنبياء عليهم السلام على العموم، ونبوة محمد صلّى الله عليه واله وسلّم على الخصوص، وإثبات الكتب التي أنزلها الله عليهم، ووجود الملائكة الذين كان منهم وسائط بين الله وبينهم، والردّ على من كفر بشيء من ذلك، وينخرط في سلك هذا ما ورد في القرآن من تأنيس النبي صلّى الله عليه وسلّم وكرامته والثناء عليه، وسائر الأنبياء صلّى الله عليه وعليهم أجمعين.

وأما المعاد فإثبات الحشر، وإقامة البراهين، والردّ على من خالف فيه، وذكر ما في الدار الآخرة من الجنة والنار، والحساب والميزان، وصحائف الأعمال وكثرة الأهوال، ونحو ذلك.

وأما الأحكام: فهي الأوامر والنواهي وتنقسم خمسة أنواع: واجب، ومندوب، وحرام، ومكروه، ومباح. ومنها ما يتعلق بالأبدان: كالصلاة والصيام، وما يتعلق بالأموال

<<  <  ج: ص:  >  >>