وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ قد ذكرنا قصة أيوب عليه السلام في [الأنبياء: ٨٣] والنصب يقال بضم النون وإسكان الصاد: وبفتح النون وإسكان الصاد وبضم النون والصاد وبفتحهما، ومعناه واحد وهو المشقة، فإن قيل: لم نسب ما أصابه من البلاء إلى الشيطان؟ فالجواب من أربعة أوجه: أحدها أن سبب ذلك كان من الشيطان، فإنه روي أنه دخل على بعض الملوك فرأى منكرا فلم يغيره، وقيل: إنه كانت له شاة فذبحها وطبخها، وكان له جار جائع فلم يعط جاره منها شيئا، والثاني أنه أراد ما وسوس له الشيطان في مرضه من الجزع وكراهة البلاء، فدعا إلى الله أن يدفع عنه وسوسة الشيطان بذلك، والثالث أنه روي أن الله سلط الشيطان عليه ليفتنه فأهلك ماله فصبر وأهلك أولاده فصبر وأصابه المرض الشديد فصبر فنسب ذلك إلى الشيطان لتسليط الشيطان عليه، والرابع: روي أن الشيطان لقي امرأته فقال لها: قولي لزوجك إن سجد لي سجدة أذهبت ما به من المرض فذكرت المرأة ذلك لأيوب، فقال لها: ذلك عدوّ الله الشيطان وحينئذ دعا ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ
التقدير قلنا له: اركض برجلك فضرب الأرض برجله فنبعت له عين ماء صافية باردة، فشرب منها فذهب كل مرض كان داخل جسده، واغتسل منها فذهب ما كان في ظاهر جسده، وروي أنه ركض الأرض مرتين فنبع له عينان، فشرب من أحدهما واغتسل من الأخرى وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ ذكر في الأنبياء وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ الضغث القبضة من القضبان، وكان أيوب عليه السلام قد حلف أن يضرب امرأته مائة سوط إذا برىء من مرضه، وكان سبب ذلك ما ذكرته له من لقاء الشيطان، وقوله لها إن سجد لي زوجك أذهبت ما به من المرض، فأمره أن يأخذ ضغثا فيه مائة قضيب فيضربها به ضربة واحدة فيبرّ في يمينه، وقد ورد مثل هذا عن نبينا صلى الله عليه وسلم في حدّ رجل زنى وكان مريضا فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم بعذق نخلة فيه شماريخ مائة فضرب به ضربة واحدة ذكر ذلك أبو داود «١» والنسائي، وأخذ به بعض العلماء، ولم يأخذ به مالك ولا أصحابه.
أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ الأيدي جمع يد وذلك عبارة عن قوتهم في الأعمال الصالحات، وإنما عبر عن ذلك بالأيدي، لأن الأعمال أكثر ما تعمل بالأيدي، وأما الأبصار فعبارة عن قوة فهمهم وكثرة علمهم من قولك: أبصر الرجل إذا تبينت له الأمور، وقيل:
الأيدي جمع يد بمعنى النعمة، ومعناه أولوا النعم التي أسداها الله إليهم من النبوة والفضيلة، وهذا ضعيف، لأن اليد بمعنى النعمة أكثر ما يجمع على أيادي، وقرأ ابن مسعود: أولوا الأيدي بغير ياء، فيحتمل أن تكون الأيدي محذوفة الياء أو يكون الأيد
(١) . رواه في كتاب الحدود ج ٤ ص ٦١٥ عن أبي أمامة بن سهل بن ضيف.