الشرف، وقوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم هم قريش وسائر العرب، فإنهم نالوا بالإسلام شرف الدنيا والآخرة، ويكفيك أن فتحوا مشارق الأرض ومغاربها، وصارت فيهم الخلافة والملك، وورد عن ابن عباس أنه لما نزلت هذه الآية علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الأمر بعده لقريش، ويحتمل أن يريد بالذكر التذكير والموعظة، فقومه على هذا أمته كلهم وكل من بعث إليهم وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ أي تسألون عن العمل بالقرآن وعن شكر الله عليه
وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا إن قيل: كيف أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يسأل الرسل المتقدّمين وهو لم يدركهم؟ فالجواب من ثلاثة أوجه:
الأول أنه رآهم ليلة الإسراء. الثاني أن المعنى اسأل أمة من أرسلنا قبلك. الثالث أنه لم يرد سؤالهم حقيقة، وإنما المعنى أن شرائعهم متفقة على توحيد الله، بحيث لو سألوا: هل مع الله آلهة يعبدون لأنكروا ذلك ودانوا بالتوحيد وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها الآيات هنا المعجزات كقلب العصا حية، وإخراج اليد بيضاء وقيل: البراهين والحجج العقلية، والأول أظهر ومعنى أكبر من أختها أنها في غاية الكبر والظهور، ولم يرد تفضيلها على غيرها من الآيات، إنما المعنى أنها إذا نظرت وجدت كبيرة، وإذا نظرت غيرها وجدت كبيرة فهو كقول الشاعر [وهو عبيد بن الأبرص أو غيره] :
من تلق منهم تقل لاقيت سيّدهم ... مثل النجوم التي يسري بها الساري
هكذا قال الزمخشري، ويحتمل عندي أن يريد ما نريهم من آية إلا هي أكبر مما تقدمها، فالمراد أكثر من أختها المتقدّمة عليها.
وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ ظاهر كلامهم هذا التناقض، فإن قولهم: يا أيها الساحر يقتضي تكذيبهم له، وقولهم: ادع لنا ربك يقتضي تصديقه، والجواب من وجهين:
أحدهما أن القائلين لذلك كانوا مكذبين، وقولهم ادْعُ لَنا رَبَّكَ يريدون على قولك وزعمك، وقولهم: إننا لمهتدون وعد نووا خلافه، والآخر: أنهم كانوا مصدّقين، وقولهم:
يا أيها الساحر إما أن يكون عندهم غير مذموم، لأن السحر كان علم أهل زمانهم، وكأنهم قالوا: يا أيها العالم، وإما أن يكون ذلك اسما قد ألفوا تسمية موسى به من أول ما جاءهم، فنطقوا به بعد ذلك من غير اعتقاد معناه وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ يحتمل أنه ناداهم بنفسه أو أمر مناديا ينادي فيهم قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ قصد بذلك الافتخار على