الخوف، والمعنى أن المنافقين واليهود يخافون الناس أكثر مما يخافون الله
لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ أي لا يقدرون على قتالكم مجتمعين إلا وهم في قرى محصنة بالأسوار والخنادق أو من وراء الحيطان دون أن يخرجوا إليكم بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ يعني عداوة بعضهم لبعض تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى أي تظن أنهم مجتمعون بالألفة والمودة وقلوبهم متفرقة بالمخالفة والشحناء كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً أي هؤلاء اليهود كمثل الذين من قبلهم يعني: يهود بني قينقاع فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أجلاهم عن المدينة قبل بني النضير، فكانوا أمثالهم. وقيل: يعني أهل بدر الكفار، فإنهم قبلهم ومثلا لهم في أن غلبوا وقهروا. والأول أرجح: لأن قوله: قريبا يقتضي أنهم كانوا قبلهم بمدة يسيرة، وذلك أوقع على بني قينقاع وأيضا فإن تمثيل بني النضير ببني قينقاع أليق لأنهم يهود مثلهم، وأخرجوا من ديارهم كما فعل بهم وذلك هو المراد بقوله: ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وقريبا ظرف زمان.
كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ مثّل الله المنافقين الذين أغووا يهود بني النضير ثم خذلوهم بعد ذلك بالشيطان فإنه يغوي ابن آدم ثم يتبرأ منه، والمراد بالشيطان والإنسان هنا الجنس، وقيل: أراد الشيطان الذي أغوى قريشا يوم بدر وقال لهم: إني جار لكم، فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ الضميران يعودان على الشيطان والإنسان، وفي ذلك تمثيل للمنافقين واليهود.
وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ هذا أمر بأن تنظر كل نفس ما قدمت من أعمالها ليوم القيامة، ومعنى ذلك محاسبة النفس لتكف عن السيئات وتزيد من الحسنات، وإنما عبّر عن يوم القيامة بغد تقريبا له، لأن كل ما هو آت قريب، فإن قيل: لم كرر الأمر بالتقوى؟
فالجواب من وجهين: أحدهما أنه تأكيد، والآخر وهو الأحسن أنه أمر أولا بالتقوى استعدادا ليوم القيامة، ثم أمر به ثانيا لأن الله خبير بما يعلمون، فلما اختلف الموجبات كرره مع كل واحد منهما وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ يعني الكفار، والنسيان هنا يحتمل أن يكون بمعنى الترك أو الغفلة، أي نسوا حقّ الله فأنساهم حقوق أنفسهم والنظر لها.