بدر: فالضمير في يجأرون لسائر قريش: أي صاحوا وناحوا على القتلى، وإن أراد بالعذاب شدائد الدنيا أو عذاب الآخرة: فالضمير لجميعهم لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ تقديره: يقال لهم يوم العذاب: لا تجأروا ويحتمل أن يكون هذا القول حقيقة، وأن يكون بلسان الحال ولفظه نهي، ومعناه: أن الجؤار لا ينفعهم عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ أي ترجعون إلى وراء وذلك عبارة عن إعراضهم عن الآيات وهي القرآن مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ قيل: إن الضمير عائد على المسجد الحرام وقيل: إنه على الحرم وإن لم يذكر ولكنه يفهم من سياق الكلام والمعنى: أنهم يستكبرون بسبب المسجد الحرام لأنهم أهله وولاته، وقيل: إنه عائد على القرآن من حيث ذكرت الآيات، والمعنى على هذا أن القرآن يحدث لهم عتوّا وتكبرا، وقيل: إنه يعود على النبي صلى الله عليه وسلم وهو على هذا متعلق بسامرا سامِراً مشتق من السمر وهو الجلوس بالليل للحديث، وكانت قريش تجتمع بالليل في المسجد، فيتحدّثون وكان أكثر حديثهم سب النبي صلى الله عليه وسلم، وسامرا مفرد بمعنى الجمع، وهو منصوب على الحال فمن جعل الضمير في به للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فالمعنى أنهم سامرون بذكره وسبه تَهْجُرُونَ من قرأ بضم التاء وكسر الجيم فمعناه تقولون الهجر بضم الهاء وهو الفحش من الكلام وهي قراءة نافع، وقرأ الباقون بفتح التاء وضم الجيم فهو من الهجر بفتح الهاء أي تهجرون الإسلام، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين، أو من قولك: هجر المريض إذا هذى أي: تقولون اللغو من القول.
أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ يعني القرآن، وهذا توبيخ لهم أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ معناه أن النبوّة ليست ببدع فينكرونها، بل قد جاءت آباؤهم الأولين فقد كانت النبوة لنوح وإبراهيم وإسماعيل وغيرهم أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ المعنى أم لم يعرفوا محمدا صلى الله عليه وسلم، ويعلموا أنه أشرفهم حسبا وأصدقهم حديثا، وأعظمهم أمانة وأرجحهم عقلا، فكيف ينسبونه إلى الكذب أو إلى الجنون، أو غير ذلك من النقائص؟ مع أنه جاءهم بالحق الذي لا يخفى على كل ذي عقل سليم، وأنه عين الصواب
وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ الاتباع هنا استعارة، والحق هنا يراد به الصواب والأمر المستقيم، فالمعنى لو كان الأمر على ما تقتضي أهواؤهم من الشرك بالله واتباع الباطل لفسدت السموات والأرض كقوله: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الأنبياء: ٢٢] وقيل: إن الحق في الآية هو الله تعالى، وهذا بعيد في المعنى، وإنما حمله عليه أن جعل الاتباع حقيقة ولم يفهم فيه الاستعارة، وإنما الحق هنا هو المذكور في قوله، «بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون» بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ يحتمل أن يكون بتذكيرهم ووعظهم