أي حين تقوم في الصلاة، ويحتمل أن يريد سائر التصرفات وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ معطوف على الضمير المفعول في قوله يراك، والمعنى أنه يراك حين تقوم وحين تسجد، وقيل: معناه يرى صلاتك مع المصلين، ففي ذلك إشارة إلى الصلاة مع الجماعة، وقيل: يرى تقلب بصرك في المصلين خلفك لأنه عليه الصلاة والسلام كان يراهم من وراء ظهره تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ هذا جواب السؤال المتقدم وهو قوله: هل أنبئكم على من تنزل الشياطين والأفاك الكذاب، والأثيم الفاعل للإثم يعني بذلك الكهان، وفي هذا ردّ على من قال إن الشياطين تنزلت على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالكهانة، لأنها لا تنزل إلا على أفاك أثيم، وكان صلى الله عليه وآله وسلم على غاية الصدق والبرّ يُلْقُونَ السَّمْعَ معناه يستمعون والضمير يحتمل أن يكون للشياطين بمعنى أنهم يستمعون إلى الملائكة، أو يكون للكهان بمعنى أنهم يستمعون إلى الشياطين، وقيل: يلقون بمعنى يلقون المسموع، والضمير يحتمل أيضا على هذا أن يكون للشياطين، لأنهم يلقون الكلام إلى الكهان أو يكون للكهان لأنهم يلقون الكلام إلى الناس وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ يعني الشياطين أو الكهان لأنهم يكذبون فيما يخبرون به عن الشياطين.
وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ لما ذكر الكهان ذكر الشعراء ليبين أن القرآن ليس بكهانة ولا شعر لتباين أوصافه وما بين أوصاف الشعر والكهانة، وأراد الشعراء الذين يلقون من الشعر ما لا ينبغي كالهجاء والمدح بالباطل وغير ذلك، وقيل: أراد شعراء الجاهلية، وقيل:
شعراء كفار قريش الذين كانوا يؤذون المسلمين بأشعارهم، والغاوون قيل: هم رواة الشعر وقيل: هم سفهاء الناس الذين تعجبهم الأشعار لما فيها من اللغو والباطل، وقيل: هم الشياطين فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ استعارة وتمثيل أي يذهبون في كل وجه من الكلام الحق والباطل، ويفرطون في التجوز حتى يخرجوا إلى الكذب إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا الآية: استثناء من الشعراء يعني بهم شعراء المسلمين كحسان بن ثابت وغيره ممن اتصف بهذه الأوصاف، وقيل: إن هذه الآية مدنية ذَكَرُوا اللَّهَ قيل: معناه ذكروا الله في أشعارهم، وقيل: يعني الذكر على الإطلاق وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا إشارة إلى ما قاله حسان بن ثابت وغيره من الشعراء في هجو الكفار بعد أن هجا الكفار النبي صلى الله عليه وسلم وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ وعيد للذين ظلموا والظلم هنا بمعنى الاعتداء على الناس لقوله: من بعد ما ظلموا وعمل ينقلبون في أيّ لتأخره، وقيل: إن العامل في أيّ سيعلم.