الحسرة وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ رد على قولهم واعتقادهم
وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ الآية إخبار أن مغفرة الله ورحمته لهم إذا قتلوا وماتوا في سبيل الله خير لهم مما يجمعون من الدنيا وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ الآية إخبار أن من مات أو قتل فإنه يحشر إلى الله فَبِما رَحْمَةٍ ما زائدة للتأكيد لانفضوا أي تفرقوا فَاعْفُ عَنْهُمْ فيما يختص بك وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ فيما يختص بحق الله وَشاوِرْهُمْ المشاورة مأمور بها شرعا، وإنما يشاور النبي صلّى الله تعالى عليه واله وسلّم الناس في الرأي في الحروب وغيرها، لا في الأحكام الشرعية، وقال ابن عباس: وشاورهم في بعض الأمر فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ التوكل هو الاعتماد على الله في تحصيل المنافع أو حفظها بعد حصولها، وفي دفع المضرات ورفعها بعد وقوعها، وهو من أعلى المقامات، لوجهين: أحدهما قوله إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ والآخر: الضمان الذي في قوله: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق/ ٣] وقد يكون واجبا لقوله تعالى: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة/ ٢٣] فجعله شرطا في الإيمان، والظاهر قوله جل جلاله، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [آل عمران/ ١٢٢] فإن الأمر محمول على الوجوب.
وأعلم أن الناس في التوكل على ثلاثة مراتب: الأولى: أن يعتمد العبد على ربه، كاعتماد الإنسان على وكيله المأمون عنده الذي لا يشك في نصيحته له، وقيامه بمصالحه، والثانية: أن يكون العبد مع ربه كالطفل مع أمه، فإنه لا يعرف سواها، ولا يلجأ إلّا إليها، والثالثة: أن يكون العبد مع ربه: كالميت بين يدي الغاسل، قد أسلم نفسه إليه بالكلية، فصاحب الدرجة الأولى له حظ من النظر لنفسه، بخلاف صاحب الثانية، وصاحب الثانية له حظ من المراد والاختيار بخلاف صاحب الثالثة. وهذه الدرجات مبنيّة على التوحيد الخاص الذي تكلمنا عليه في قوله: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ [البقرة/ ١٦٣] فهي تقوى بقوته، وتضعف بضعفه، فإن قيل: هل يشترط في التوكل ترك الأسباب أم لا؟ فالجواب: أن الأسباب على ثلاثة أقسام: أحدهما: سبب معلوم قطعا قد أجراه الله تعالى: فهذا لا يجوز تركه: كالأكل لدفع الجوع، واللباس لدفع البرد. والثاني: سبب مظنون: كالتجارة وطلب المعاش، وشبه ذلك، فهذا لا يقدم فعله في التوكل لأن التوكل من أعمال القلب، لا من أعمال البدن، ويجوز تركه لمن قوي عليه، «١» والثالث: سبب موهوم بعيد، فهذا يقدم فعله في التوكل،
(١) . رحم الله المصنف كيف غفل عن أن السعي مطلوب، وهو لا ينافي التوكل إلا لمن كان غافلا عن ربه الذي بيده نجاح الأسباب وفشلها.