إلى تزوج المؤمن غير الزاني بزانية، فإن قوما منعوا أن يتزوجها، وهذا على القول الثاني في الآية قبلها وهو بعيد، وأجاز تزويجها مالك وغيره، وروي عنه كراهته.
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً هذا حدّ القذف، وهو الفرية التي عبر الله عنها بالرمي، والمحصنات يراد بهن هنا العفائف من النساء، وخصهن بالذكر لأن قذفهن أكثر وأشنع من قذف الرجال، ودخل الرجال في ذلك بالمعنى إذ لا فرق بينهم، وأجمع العلماء على أن حكم الرجال والنساء هنا واحد، وقيل:
إن المعنى يرمون الأنفس المحصنات، فيعم اللفظ على هذا النساء والرجال.
ويحتاج هنا إلى الكلام في القذف والقاذف والمقذوف والشهادة في ذلك، فأما القذف فهو الرمي بالزنا اتفاقا، أو بفعل قوم لوط عند مالك والشافعي لعموم لفظ الرمي في الآية، خلافا لأبي حنيفة، أو النفي من النسب، ومذهب مالك أن التعريض بذلك كله كالتصريح خلافا للشافعي وأبي حنيفة، وأما القاذف فيحدّ: سواء كان مسلما أو كافرا لعموم الآية، وسواء كان حرا أو عبدا، إلا أن العبد والأمة إنما يحدّان أربعين عند الجمهور، فنصفوا حدّهما قياسا على تنصيفه في الزنا خلافا للظاهرية، ولا يحدّ الصبي ولا المجنون لكونهما غير مكلفين، وأما المقذوف فمذهب مالك أنه يشترط فيه الإسلام والعقل والبلوغ والحرية والبراءة عما رمي به، والتمكن من الوطء تحرزا من المجبوب [مقطوع الآلة] وشبهه، فلا يحدّ عنده من قذف صبيا أو كافرا أو مجبوبا أو عبدا ومن لا يمكنه الوطء وقد قيل: يحدّ من قذف واحدا منهم لعموم الآية واتفقوا على اشتراط البراءة مما رمي به وأما الشهادة التي تسقط حدّ القذف، فهي أن يشهد شاهدان عدلان بأن المقذوف عبد أو كافر أو يشهد أربعة شهود ذكور عدول على المعاينة لما قذف به كالمرود في المكحلة، ويؤدّون الشهادة مجتمعين إِلَّا الَّذِينَ تابُوا تقدّم قبل هذا الاستثناء ثلاثة أحكام، وهي الحدّ، ورد شهادة القاذف، وتفسيقه، فاتفق على أن الاستثناء راجع إلى التفسيق، وأن ذلك يزول عنه بالتوبة، واتفق على أنه لا يرجع إلى الحدّ وأنه لا يسقط عنه بالتوبة، واختلف هل يرجع إلى ردّ الشهادة أم لا: فقال مالك: إذا تاب قبلت شهادته، خلافا لأبي حنيفة، وتوبته هو صلاح حاله في دينه وقيل إكذاب نفسه.
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ هذه الآية في قذف الرجل لامرأته فيجب اللعان بذلك، وسببها أن رجلا قال يا رسول الله: الرجل يجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقلتونه أم كيف يصنع؟ فسكت عنه نبيّ الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم عاد فقال مثل ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك